القسم الثاني: تقسيم التشبيه باعتبار الإفراد والتركيب
والإطلاق والتقييد في طرفي التشبيه
من أقسام التشبيه باعتبار الطرفين إفراد الطرفين أو
تركيبهما أو تقييدهما.
· إفراد الطرفين: أن يكون شيئا واحدًا متميزًا بذاته، وليس مقيَّدًا بقيد يؤثر في صورة
التشبيه، وليس على هيئة مركبة من عدة أمور، مثل أن نُشَبِّه بالقمر، أو بالبحر.
· تقييد الطرفين: أن يرتبط الطرف ويُقيَّد بوصف، أو بإضافة، أو بحال، أو بجار ومجرور،
تقييدًا لا يصل إلى درجة التركيب شريطة أن يكون لهذا القيد أثر في تحقيق وجه
الشبه، مثل قولنا: (الْمِرْآة في كفِّ الأشل).
· تركيب الطرفين: أن يكون طرف التشبيه هيئة مُؤَلَّفة من أمرين أو عدة أمور قد امتزجت
امتزاجًا يجعلها في حكم الشيء الواحد.
***
أولا: أقسام الطرفين بهذه الاعتبارات المشبيه والمشبه به:
1-
تشبيه مُفْرد مُجَرَّد بمفرد مجرد:
كتشبيه الرجل بالبحر في العلم، والوجه بالقمر، وقوله
تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}
[البقرة: 187]. لأن كل واحد يشتمل على صاحبه عند الاعتناق كاللباس، أو لأن كل واحد
منهما يصون صاحبه من الوقوع في الفاحشة كاللباس الساتر للعورة.
ومنه قوله تعالى: {وَأَلْقِ
عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ
يُعَقِّبْ} [النمل: 10]. المشبه (عصا موسى في طريقة اهتزازها)، والمشبه به
(جان)، وهي لفظة مفردة غير مقيدة.
ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ
تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} [المعارج: 8]. المشبه (السماء)، والمشبه
به (الْمُهْل)، والغرض من التشبيه: وصف للسماء يوم القيامة بالغليان.
ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا}
[النبأ: 10]. شُبه الليل وهو (المشبه) باللباس (المشبه به) إذ إنّ كلاً منهما ساتر
للناس، والطرفان مفردان مجردان (غير مقيدان).
***
2-
تشبيه مفرد مقيد بمفرد مقيد:
مثل: (التعليم في الصغر كالنقش في الحجر) فقد شبه
التعليم بقيد كونه في الصغر بالنقش بقيد كونه في الحجر، والوجه: هو الثبات وعدم
ذهاب الأثر.
وكتشبيه من لا يحصل من عمله على فائدة بالقابض على
الماء، فالمشبه –وهو الرجل- قد قيد بالصفة وهو عدم تحصيل فائدة من العمل، والمشبه
به القابض قد تقيد بالجار والمجرور (على الماء)، ووجه الشبه: التسوية بين الفعل وعدمه.
ولولا مراعاة القيد في الطرفين هنا لما أفاد الكلام
التشبيه المقصود، فلو أفرد الطرفان مثلا فقيل: التعليم كالنقش، لما أفاد الغرض
المقصود، ولو حذف القيد من أحد الطرفين لما أفاد الغرض أيضًا. فلا يصلح أن يقال:
التعليم في الصغر كالنقش، أو التعليم كالنقش على الحجر، فمراعاة القيد في الطرفين –وهو
الجار والمجرور- هو الذي أدى المعنى المقصود.
ومنه قوله تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ
بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]. المشبه: المقاتلون في سبيله صفًّا مصطفًّا
كأنهم حيطان قد رصت أحجارها فأحكمت وأتقنت فلا يغادر منها شيئا.
***
3-
تشبيه مفرد مجرد بمفرد مقيد:
مثل: (الشَّمسُ كالْمِرْآةِ في كَفِّ الأشل)، فالمشبه به
المرآة بقيد كونها في كف الأشل، ومثل: (الغيبة كاللحم النتن)، فالمشبه به اللحم
بقيد كونه نتنًا.
ومنه قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ
مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: 7]. فالمشبه هو الخلائق
في هذا اليوم (يوم القيامة)، والمشبه به الجراد مقيدًا بهذه الصفة أي بكونه منتشرا.
ووجه الشبه: الكثرة والتدافع وجولان بعضهم في بعض، فالكل يتحرك ويموج من غير تحديد
ومن غير تعقل.
ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ
يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ
الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 4، 5]، فالمشبه مفرد مجرد وهو: الناس، والجبال،
والمشبه به: الفراش مقيَّدًا بكونه مبثوثًا، والعهن مقيَّدًا بكونه منقوشًا، ووجه
الشبه في الأول: الضعف وزوال التماسك، وفي الثاني: زوال القوة وتفرق الأجزاء، ولا
يخفى علينا أثر هذا القيد في تحقيق وجه الشبه. ومدى دقة التعبير القرآني بإيثار
هذه الألفاظ التي أبرزت وجلت حال الناس في هذا اليوم .. فالفراش مثل للخفة
والحماقة والتهافت ومن كلام العرب (أطيش من فراشة) ... فإذا ما كان مبثوثًا فقد تم
ضعفه واكتمل زوال تماسكه... والعهن هو الصرف المصبوغ ألوانًا شتى فإذا ما كان
منفوشًا فقد تفرقت أجزاؤه وزال كل ما به من قوة وتماسك ... ثم إيثار لفظ العهن دون
الصوف ليعم كل الجبال التي هي جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود.
ومنه قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ
عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ
حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 49 - 51]. شبه
إعراض الكافرين عن الذكر بالحمر التي نفرت من أسد أو صائد، وليس بمطلق الحمر.
***
4-
تشبيه مفرد مقيد بمفرد مجرد:
كقولك: (العلم بلا عمل كالجهل)، فالمشبه قيد وهو العلم
بكون بلا عمل، وكقولك: (الحياة في ظل الاستعباد كالجحيم)، والمشبه الحياة وقيدت
بكونها في ظل الاستعباد.
***
5-
تشبيه مركب بمركب:
كقول
الشاعر:
كأنَّ
مُثَار النَّقْعِ فَوْقَ رُؤوسِنَا
وأسيافَنَا
ليلٌ تَهاوى كواكِبُهُ
فقد شبه الهيئة المركبة من الغبار الْمُثار والسيوف
المتحركة حركات سريعة مضطربة وإلى جهات مختلفة بالهيئة المكونة من الظلام والكواكب
تتهاوى وسطه، وقد تداخلت واستطالت أشكالها. فطرفا التشبيه مركبان من عدة أمور
امتزجت بعضها ببعض وكونت هيئة مركبة. ووجه الشبه: هو الهيئة الحاصلة من سقوط أجرام
مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار في جوانب شيء مظلم.
ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ
الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ
يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ
اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: 5].
المشبه: اليهود الذين حملوا التوراة فلم يحملوها أي لم
يعملوا بما فيها، والمشبه به: الحمار الذي يحمل أسفار العلم والحكمة. ووجه الشبه:
العناء بحمل ما فيه نفع، وعدم الانتفاع به. فهي صورة مركبة من الحمار الذي يحمل
أسفار العلم والحكمة وكونه جاهلا بهذا الحمل لا يدري ما هو ولا يعرف قيمته؛ لأن
التشبيه بالحمار ليس لمعنى يختص به وحده، أو معنى يختص بالمحمول وهو الأسفار، أو
كونه لا يعلم ما يحمله، بل مجموع هذه الأوصاف كلها، فلو اختل أحد هذه الأوصاف لما
حصل للتشبيه هذه الدلالة العظيمة.
***
6-
تشبيه مفرد بمركب
ومثاله
قول ابن المعتز:
وَاِنظُر
إِلَيهِ كَزَورَقٍ مِن فِضَّةٍ قَد أَثقَلَتهُ حُمولَةٌ مِن عَنبَرِ
شبه الهلال وقد امتلأ قوسه المضيء بظلام الليل بزورق من
فضة قد أثقل بحمولة من عنبر.. فالمشبه مفرد والمشبه به مركب، ووجه الشبه: الهيئة
الحاصلة من وجود جسم مضيء متقوس يملأ نفوسه أشياء سوداء قاتمة.
وقول
الخنساء تصف أخاها صخرًا:
وَإِنَّ
صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ كَأَنَّهُ
عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ
فالمشبه مفرد وهو صخر، والمشبه به مركب، وهو الهيئة
الحاصلة من الجبل والنار المشتعلة في قمته.
ومثله تشبيه شقائق النعمان بأعلام ياقوت منشورة على رماح
من زبرجد، وذلك في قول الصنوبري:
وكَأَنَّ مُحْمَرَّ الشَّقِيقِ إِذَا تَصَوَّب أو تَصَعَّد
أعلام
ياقوت نُشِرْ نَ على رِمَاحٍ مِنْ زَبَرْجَد
شبه نبات شقائق النعمان (وهو مشبه مفرد) في خضرة أغصانها
واحمرار أزهارها بأعلام من الياقوت وهو أحمر منصوبة على رماح من زبرجد، وهو أخضر.
يشبه هذا النبات حال ميلانه واعتداله بسبب الرياح بأعلام
الياقوت المنشورة على رؤوس الرماح الزبرجدية، وهي صورة مركبة.
ولا شك أن صورة المشبه به على الهيئة التي ذكرها الشاعر
لا وجود لها في الحقيقة، ولكن أجزاء تلك الصورة قبل تركبها موجودة وتدرك بالحسي،
فالزبرجد وحده موجود وكذا الأعلام والياقوت. فالمشبه مفرد، والمشبه به مركب.
***
7-
تشبيه مركب بمفرد
وهو
قليل، ومنه قول أبي تمام:
يَا صَاحِبَيَّ تَقَصَّيَا نَظَرَيْكُمَا تَرَيَا وُجُوْهَ الْأَرْضِ
كَيْفَ تَصَوَّرُ
تَرَيَا
نَهَارًا مُشْمِسًا قدْ شَابَهُ زَهْرُ الرُبَا فَكَأنَّمَا هُوَ مُقْمِرُ
يشبه الهيئة الحاصلة من الشمس الساطعة على الروابي
المزهرة المخضرة وقد اختلطت الأشعة المشرقة بالخضرة القاتمة فانكسرت بهذا الاختلاط
حدة الضوء حتى صار يضرب إلى السواد، فهو يشبه هذه الهيئة المركبة بليل مقمر،
فالمشبه به مفرد مقيد، والمشبه مركب.
ومنه قوله تعالى: {وَيَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا
مَنْثُورًا} [الإنسان: 19]. فالمشبه هو الهيئة الحاصلة من تفرُّق الولدان
الْمُخَلَّدون في خدمة أهل الجنة، والمشبه به: اللؤلؤ المنثور، وهو هنا مقيد
بالانتثار.
***