التشبيه التمثيلي وغير التمثيلي فى القرآن الكريم

      التشبيه التمثيلي وغير التمثيلي فى القرآن الكريم

التشبيه التمثيلي مُتعلق بوجه الشبه، وقد اختلف في أمره على أربع آراء، رأي للإمام عبد القاهر، ورأي السكاكي، ورأي للخطيب القزويني، ورأي للزمخشري.

الإمام عبد القاهر الجرجاني

·      تشبيه غير التمثيل:

تشبيه غير التمثيل عنده هو: ما كان وجه الشبه فيه أمرًا ظاهرًا لا يحتاج إلى تأول وإعمال فكر وصرف عن الظاهر.

فما كان وجه الشبه فيه أمرًا حسيًّا مدركًا بإحدى الحواس الخمس الظاهرة سواء كان هذا الوجه مفردًا أو مركبًا، وكذلك ما كان الوجه فيه عقليًّا حقيقيًّا كالأخلاق والغرائز والطباع، يعتبره الإمام عبد القاهر من تشبيه غير التمثيل.

·      تشبيه التمثيل:

أما تشبيه التمثيل عنده هو: ما لا يكون الوجه فيه أمرًا بيِّنًا بنفسه، بل يحتاج في تحصيله إلى ضرب من التأويل والصرف عن الظاهر.

فما كان وجه الشبه فيه ليس حسيًّا ولا من الأخلاق والغرائز الحقيقية بل يكون عقليًّا غير حقيقي، سواء كان هذا الوجه مفردًا أو مركبًا، يعتبره الإمام عبد القاهر تشبيه التمثيل؛ لأن المشبه لم يشارك المشبه به في صفته الحقيقية.

ويتحقق ذلك فيما إذا كان وجه الشبه عقليًّا غير حقيقي، أي: غير متقرر في ذات الموصوف يكون تشبيهًا تمثيليًّا. مثال ذلك مثلًا قولنا: (هذه حجة كالشمس في الظهور)، قد شبهت الحجة في قوة بيانها بالشمس من جهة ظهورها، هذه ظاهرة، وهذه ظاهرة، لكن هذا التشبيه لا يتم إلا بتأول، وذلك بأن نقول: حقيقة ظهور الشمس أو غيرها من الأجسام ألا يكون دونها حجاب، ونحوه مما يحول بين العين وبين رؤيتها، والشبهة التي تزال بالحجة والبرهان هي نظير الحجاب فيما يدرك بالعقول؛ لأنها تمنع القلب رؤية ما هي شبهة فيه، فإذا ارتفعت الشبهة قيل: هذا ظاهر كالشمس، فقد احتجنا في تحصيل الشبه بين الحُجَّة وبين الشمس، وهو إزالة الحجاب في كل إلى مثل هذا التأويل.

والصرف عن الظاهر مثاله أيضًا عند الإمام عبد القاهر قولنا: "كلام ألفاظه كالماء في السلاسة، وكالنسيم في الرقة، وكالعسل في الحلاوة": فالمراد أن اللفظ لا يستغلق، ولا يشتبه معناه، ولا يصعب الوقوف عليه، فليس بغريب، ولا وحشي، وليس في حروفه تكرير وتنافر يكد اللسان، فصار لذلك كالماء الذي يسوغ في الحلق، والنسيم الذي يسري في البدن، ويهدي إلى القلب روحًا ونشاطًا، وكالعسل أيضًا الذي يلذ طعمه، وتهش النفس له، ويميل الطبع إليه؛ فوجه الشبه إذن هو الاستحسان، وميل النفس الذي هو لازم من لوازم الحلاوة؛ إذن فنستطيع أن نقول: إن الإمام عبد القاهر سمى هذا اللون الذي يكون وجه الشبه فيه عقليًّا غير حقيقي غير مقرر في ذات الموصوف أسماه بالتشبيه التمثيلي. إذن خرج من ذلك كل ما كان عدا هذا. 

فالتشبيه مثلًا ما كان وجه الشبه فيه بينًا لا يحتاج إلى تأويل، عند هذا لا يدخل في التشبيه التمثيلي عند الإمام عبد القاهر التشبيه مثلًا من جهة اللون، أو من جهة الهيئة، أو كمثل التشبيه بأن يجمع فيما يجمع بين شيئين فيما يدخل تحت الحواس، كل هذا يدخل في التشبيه الحسي، ومن ثَمَّ لا يدخل في التشبيه العقلي. 

إذن باختصار فالتشبيه التمثيلي عند الإمام عبد القاهر هو: ما كان وجه الشبه فيه عقليًّا غير حقيقي، يخرج من هذا كل ما كان حسيًّا، وكل ما كان عقليًّا، لكن يتعلق بالغرائز، والطباع، والأخلاق. فكل هذه تدخل في التشبيه غير التمثيلي.

إذن فالتشبيه التمثيلي عند الإمام عبد القاهر هو ما كان عقليًّا غير حقيقي كهذين المثالين الذي مثل بهما، وهو قوله هذه حجة كالشمس في الظهور، وقوله كذلك: كلام ألفاظه كالعسل في الحلاوة، هذا هو رأي الإمام عبد القاهر.

ومن أمثلة التشبيه التمثيلي عند الإمام عبد القاهر ما جاء في قول ابن المعتز: 

اصْبِر عَلَى مَضَضِ الْحَسُود    فإنَّ صبرك قَاتِله

   فالنار تأكل بعضها        إن لم تجد ما تأكله

 إذ المراد -كما قلنا- تشبيه حال الحاسد يهمله المحسود بالإعراض عنه حتى يموت كمدًا بحال النار، لا تمد بالحطب فيأكل بعضها بعضًا حتى تصير رمادًا، وجه الشبه هنا هيئة عقلية حاصلة من سرعة الفناء؛ لعدم الإمداد بما يسبب البقاء والحياة، وهذه صورة عقلية غير حقيقية. إذن فهي داخلة عند الإمام عبد القاهر في التشبيه التمثيلي. 

***

 تابع التشبيه التمثيلي فى القرآن الكريم

...

السكاكي

تشبيه غير التمثيل عنده هو: ما كان وجه الشبه فيه مفردًا بنوعيه حسيًّا أو عقليًّا، أو كان مركبًا حسيًّا.

تشبيه التمثيل عنده، هو: ما كان وجه الشبه فيه مركَّبًا عقليًّا، ومثَّل له بقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: ١٧] فنجد أن وجه الشبه في الآية الكريمة -وهو تعاطي الأسباب المقربة لتحقيق الآمال حين ظهرت- دلائل النجاح، فانقلب الأمر، وجاء على عكس ما كانت تطمع إليه هذه الآمال. فوجه الشبه هنا: هيئة عقلية انتزعت من أمور متعددة. 

ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥] نجد أن وجه الشبه، وهو حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه، وهذه هيئة مركبة عقلية. 

فالتمثيل عند السكاكي أشبه بالتمثيل عند الإمام عبد القاهر، إلا أن السكاكي اشترط التركيب، أما عبد القاهر فيرى أن التمثيل قد يأتي في المفرد. فكل تمثيل عند السكاكي تمثيل عند عبد القاهر وليس العكس لانفراد عبد القاهر بالمفرد.

***

الخطيب القزويني وجمهور البلاغيين

تشبيه غير التمثيل: ما كان وجه الشبه فيه مفردًا حسيًّا أو عقليًّا.

وتشبيه التمثيل: ما كان وجه الشبه فيه مركَّبًا سواء كان حسيًّا أو عقليًّا.

هذا أعم من رأي السكاكي، فمدار التفرقة عندهم بين التشبيه والتمثيل: تركيب الوجه وإفراده، بغض النظر عن كونه حسيًّا أو عقليًّا.

فإذا كان وجه الشبه هيئة منتزعة من شيئين، أو عدة أشياء؛ كان التشبيه تمثيلًا، سواء كانت هذه الهيئة حسية أم عقلية، طبعًا يخرج من هذا كل ما كان وجه الشبه فيه مفردًا بنوعيه الحسي والعقلي. 

***

الزمخشري

لا يرى هناك فرقًا بين التشبيه والتمثيل، فكل تشبيه عنده تمثيل، وكل تمثيل عنده تشبيه. 

***

وخلاصة هذه الآراء في التفرقة بين التشبيه والتمثيل، والتي هي مبنية على إفراد وجه الشبه، أو تركيبه، وحسيته، أو عقليته: هو أنه إذا كان وجه الشبه مركبًا عقليًّا غير حقيقي، كما في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} [الجمعة: ٥]، والآية الكريمة: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: ٣٩]، وقول الشاعر: 

اصبر على مضض الحسود ... 

كل هذا يعد تشبيهًا تمثيليًّا بإجماع الآراء؛ لأن وجه الشبه فيه مركبًا عقليًّا غير حقيقي، كذلك وجه الشبه لو كان مركبًا حسيًّا مثل قول بشار: 

كأنَّ مُثارَ النَّقع فوق رُؤوسنا      وأسيافَنا ليلٌ تَهاوَى كواكبُهْ

فإنه شبه هيئة الغبار، وفيه السيوف مضطربة، بهيئة الليل وفيه الكواكب تتساقط في جهات مختلفة.

كأن أجرام النجوم لوامعًا         دُرَرٌ نثرن على بساط أزرق

فوجه الشبه في البيت هو الهيئة المكونة من أجرام بيضاء مضيئة صغيرة نثرت على صفحة شيء أزرق صافي الزرقة.

وسِقْطٍ كَعَيْنِ الدَّيكِ عَاوَرْتُ صُحْبَتِي              أَبَاهَا وهَيَّأْنَا لِمَوْضِعِهَا وَكْرَا

فالوجه هو الهيئة الحاصلة من الحمرة والشكل الكرى والمقدار المخصوص.

إلى غير ذلك كان التشبيه تمثيليًّا عند الخطيب، وعند جمهور البلاغيين؛ لأن الوجه مركب حسي، وإذا كان الوجه مركبًا عقليًّا غير حقيقي؛ كان تشبيهًا تمثيليًّا عند الإمام عبد القاهر، وإذا كان مفردًا حسيًّا أو عقليًّا حقيقيًّا لكونه من الأخلاق والغرائز، فهذا بالإجماع عند جميع البلاغيين هو من قبيل التشبيه لا التمثيل. 

إذن نخلص من كل هذا إلى أن مدار الحكم على الصورة بأنها من قبيل التمثيل، أو من قبيل التشبيه التمثيلي متوقف على وجه الشبه، فإن كان وجه الشبه مركبًا عقليًّا غير حقيقي، فهو تمثيل بالإجماع، وإن كان وجه الشبه مركبًا حسيًّا غير حقيقي؛ فهو تمثيل عند الخطيب، وجمهور البلاغيين -وإن كان وجه الشبه مركبًا عقليًّا غير حقيقي- فهو تمثيل عند السكاكي، وإن كان وجه الشبه مفردًا عقليًّا غير حقيقي فهو تمثيل عند الإمام عبد القاهر، وإن كان وجه الشبه حسيًّا غير حقيقي مفردًا طبعًا فهو تشبيه عند كل البلاغيين. 

فالزمخشري لا يفرق بين هذا وذاك.

وإذا تأملنا كل من تعريف عبد القاهر والسكاكي والخطيب نجد أن بعضها قد تولَّد من بعض، فالتقت في أشياء واختلفت في أخرى، فأصل المسألة عند عبد القاهر (ما كان وجهه متأولا)، ثم إن عبد القاهر أولى المركب مزيد عناية على حد ما ذكر في حملة التوراة، وآية مثل الحياة الدنيا.

ثم جاء السكاكي وأطلق (غير حقيقي) مكان التأويل، واقتبس المركب في الوجه وترك المفرد.

ثم جاء الخطيب وصرف النظر عن موضوع التأول وغير الحقيقي أي صرف النظر عن طريق قيام الوجه بأحد الطرفين وسوَّى بين ما كان الوجه قائمًا فيهما على سبيل الحقيقة وما كان قائمًا على وجه التأول، وعُني فقط بمسألة التركيب.

ورأي الخطيب القزويني وجمهور البلاغيين هو أوسع المذاهب وأخفها وأيسرها.

والعلاقة بين التشبيه والتمثيل:

التشبيه عام والتمثيل أخص منه، فكل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلاً.

                            ***

تعليقات