الإسناد
الخبري: هو ضَمُّ كلمة، أو ما يجري مجراها إلى أخرى، أو ما يجري مجراها على وجه يُفِيدُ
الحكم بمفهوم أحداهما على مفهوم الأخرى ثبوتًا أو نفيًا، ويُسَمَّى المحكوم به
"مسندًا" والمحكوم عليه "مسندًا إليه"، وتُسَمَّى النسبة
بينهما "إسنادًا".
فقولك:
"حسان شاعر" أو "حسان غير شجاع" إسناد خبري؛ إذ قد ضم فيه
كلمة "شاعر" في المثال الأول "وغير شجاع" في المثال الثاني
إلى أخرى "حسان" فيهما على وجه يُفِيد الحكم بمفهوم "الشاعرية"
في الأول "وعدم الشجاعة" في الثاني على مفهوم "حسان" ثبوتًا
كما في المثال الأول، ونفيًا كما في المثال الثاني.
ومن
الواضح أننا لا نستطيع أن ندرك من اللغة غرضًا، ولا أن نُفِيدَ منها معنى إلا إذا
ارتبطت كلماتها بعضها ببعض، وصارت كُلُّ لفظة مُتَّصلة بالأخرى نوعًا من الاتصال.
وفي
ضوء هذا الترابط، وهذه الصلات تكمن المعاني، والأفكار التي تحتويها النصوص
اللغوية، وتحفظها في بنائها الحي، تراثا خالدًا، وفكرا حيًّا.
ومهارة
الأديب، ونبوغ الشاعر، وعبقرية اللغة، كل هذا يكمن فيما بين الكلم من ترابط وصِلَات،
فحذق الأديب والشاعر يظهر في مقدرته الفائقة على صياغة كلم اللغة، صياغة بصيرة
واعية، تصف كل خاطرة من خواطر نفسه، وتفصح عن كل فكرة تومض في كيانه، أو شعور
يختلج في مطاويه، وعبقرية اللغة تكمن في مرونتها، وطواعيتها وإفادتها دقيق المعاني،
بوجوه وفنون الصياغة، فتصف بهيئة الكلمة وتشير بخصوصية التركيب، وليس هنا موضع
التفصيل في هذا.
ولكني
قدمته لأقول: إن الإسناد أصل الفائدة ومناطها، فليست معاني الشعر وقضايا الفكر،
وروايات التاريخ، وأصول العلوم كلها إلا فكرًا ومعاني، ودلالات هي ولائد الإسناد وبناته،
والإسناد يعني أن تثبت الشيء للشيء أو تنفيه عنه، كقولك: "جاشت أشواقه"،
فقد أثبت الجَيَشَان للأشواق، فالجيشان مثبت، والأشوق مُثْبَت له، فلو قلت:
الأشواق.. الجيشان ... لم تُفِدْ شيئا، وإنما أفدت بالإثبات، وبأن قلت: "جاشت
أشواقه"، فأثبت للأشواق فِعْلًا وحَدَثًا هو الجيشان.
وهذه
الكلمات: (كل – يطول – الصب – على – تمام – الليل - أم مالك -ليالي – يا) تنظر
إليها، فلا تقع منها على شيء، فإذا ما رتَّبها ابن خفاجة، وجعل كل واحدة منها، تتَّصِلُ
بالأخرى نوعًا من الاتصال رأيت فيها معنى شعريًّا ممتازًا عامرًا بالشوق، والحنين
والشَّجَى، قال: "من الطويل":
يطول
عليَّ الليل يا أم مالك ... وكلُّ ليالي الصبِّ فضل تمام
والبلاغيون
يُسَمُّون المُثْبَتُ حديثًا أو مسندًا، والمُثْبَت له مُحَدَّثًا عنه أو مُسْنَدًا
إليه، يقول عبد القاهر: "ومختصر كل أمر أنه لا يكون كلام من جزء واحد، وأنه
لا بد من مسند إليه ومسند".
والمراد
بقولهم في تعريف الإسناد الخبري: "بما يجري مجرى الكلمة": الجملة
الواقعة في موقع المفرد -مبتدأ كان، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو نائب فاعل- وبهذا
تكون صور طرفي الإسناد أربعًا، وهي:
الأولى:
أن يكون الطرفان مفردين حقيقة نحو: "علي شجاع"، "وانتصر خالد"
و"أبرم الأمر" فالطرفان في هذه المثل مفردان حقيقة.
الثانية:
أن يكونا جملتين نحو "لا إله إلا الله ينجو قائلها من عذاب الله".
الثالثة:
أن يكون المسند إليه مفردًا حقيقة، والمسند جملة، نحو: حسان سلق الأعداء بحاد
لسانه، ونحو: "خالد هزم الجيش بقوة جنانه".
الرابعة:
أن يكون المسند إليه جملة، والمسند مفردًا حقيقة: نحو، لا إله إلا الله كلمة
النجاة من عذاب الله".
والطرفان
هما: المسند والمسند إليه، ولكل منهما مواضع يُعْرَفُ بها، وإليك بيانها:
فمواضع
المسند إليه هي: الفاعل، ونائب الفاعل، والمبتدأ الذي له خبر وما أصله المبتدأ
كأسماء الأدوات الناسخة.
ومواضع
المسند هي: الفعل التام واسم الفعل، والمبتدأ المكتفي بمرفوعه عن الخبر نحو:
"أراغب" من قوله تعالى: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي
يَاإ ِبْرَاهِيمُ} [مريم: 46]
وما أصله خبر المبتدأ كأخبار الأدوات الناسخة، والمصدر النائب عن فعل الأمر كلفظ
"سعيًا" من قولك: "سعيًا في الخير".
والبلاغيون
يدرسون في أحوال الإسناد الخبري ثلاث مسائل، الأولى: أغراض الخبر، الثانية: أحوال
الخبر من حيث التوكيد، وعدمه أو أضربه، الثالثة، حال الإسناد من حيث هو حقيقة أو
مجاز.
***