الفصاحة في اللغة: تُنْبِئ عن الظهور والإبانة. يقال: "فَصُحَ الأعجمي وأَفْصَحَ": إذا انطلق لسانه وخلصت لُغَته من اللكنة وجادت فلم يَلْحَن، و"أفصح به" أي: صرَّح، و"فصح اللبن" إذا أخذت رغوته وذهب لباؤه.
وفصاحة الكلمة في اصطلاح البلاغيين: هي خلوصها من تنافر
الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي، والكراهة في السمع.
فالفصاحة إذًا هي: كون اللفظ جاريًا على القوانين
المستنبطة من استقراء كلام العرب كثير الاستعمال على ألسنة العرب الموثوق
بعربيتهم.
والتنافر: وَصْفٌ في الكلمة يُوجِب
ثقلها على اللِّسَان وعسر النطق بها، والحكم في التنافر هو الذوق، وهو قوة يدرك
بها لطائف الكلام ووجوه تحسينه، فكل ما يعده الذوق الصحيح ثقيلًا متعسر النطق به
فهو متنافر سواء كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك.
ومثال ذلك: ما روي أن أعرابيًّا سُئِلَ عن ناقته
فقال: "تركتها ترعى الهعخع" وهي: اسم شجرة من شجر الصحراء، وتنطق الكلمة
بصور كثيرة، وقيل: إنها كلمة معاياة لا أصل لها في اللغة.
ومنه ما هو دون ذلك كلفظ "مستشزر" في
قول امرئ القيس:
غَدَائِرُه مُسْتَشْزِرَات
إلى العُلا تَضِلُّ العِقَاص في مثنى
ومرسل
والمعنى: أن ذوائبه مشدودة على الرأس وأنَّ شعره مُقَسَّم
إلى عقاص ومثنى ومرسل، والأول يغيب في الأخيرين. والمراد: وصف الشعر بالكثافة
والكثرة والطول. والشاهد هنا قوله "مستشزرات" فهو لفظ مُتَنافر ثقيل على
اللسان، ولكنه أقل ثقلًا من "الهعخع".
والغرابة: أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها، فيحتاج في معرفته إلى أن ينقر عنها
في كتب اللغة المبسوطة، كما روي عن عيسى بن عمر النحوي أنه سقط عن حماره، فاجتمع
عليه الناس، فقال: "ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني"،
أي: اجتمعتم تنحوا. أو يخرج لها وجه بعيد كما في قول العجاج:
ومُقْلَةً وحاجبًا مزجَّجا وفاحمًا ومرسنًا مسرَّجا
فإنه لم يعرف ما أراد بقوله "مسرجًا"، حتى اختلف في تخريجه: فقيل
هو من قولهم للسيوف: سريجية، أي منسوبة إلى حدَّاد يقال له "سريج"، يريد
أنه في الاستواء والدقة كالسيف السريجي، وقيل: من السراج، يريد أنه في البريق كالسراج.
وهذا يقرب من قولهم: سرج وجهه، أي: حسن، وسرج الله وجهه، أي: بهجه وحسنه.
ومخالفة القياس: هو أن تكون الكلمة على خلاف قانون مفردات
الألفاظ الموضوعة، أي: على خلاف ما ثبت عن الواضع، فالموافقة للقياس أن تكون
الكلمة على وفق ما ثبت عن الواضع سواء وافقت القانون التصريفي أم خالفته ولكن ثبتت
عن الواضع كذلك، والمخالفة أن تكون الكلمة على خلاف ما ثبت عن الواضع سواء خالفت
القانون الصرفي أيضًا أم لا، فنحو آل وماء وأبي يأبى وعور يعور فصيح؛ لأنه ثبت عن
الواضع كذلك.
والكراهة في السمع: وهي أن تمج الكلمة ويتبرأ من سماعها كما يتبرأ
من سماع الأصوات المنكرة. فإن اللفظ من قبيل الأصوات، والأصوات منها ما تستلذ
النفس سماعه ومنها ما تكره سماعه، كلفظ الجرشي في قول أبي الطيب:
مبارك الاسم أغر اللقب كريم الجرشَّي شريف النسب
أي: كريم النفس، فلفظ "الجرشى" مستكره في السمع.
فإذا خلصت الكلمة من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي، والكراهة في السمع، كانت كلمة فصيحة.
***