تعريف الإسناد:
الإسناد هو: بناء الجملة أو تكوين العبارة أو ضم الكلمة إلى الكلمة؛ ليتكون
نظمًا معبرًا وكلامًا مفيدًا وتركيبًا جيدًا.
يأتي الإسناد على أسلوب الحقيقة والمجاز:
لا يجري الإسناد دائمًا على أسلوب الحقيقة، بل قد يتمُّ عن طريق المجاز؛ بمعنى أن يتجوز المتكلم في بناء جمله أو تكوين عباراته، وقد يتمُّ عن طريق الحقيقة.
فمن الأبنية الحقيقية قولك: "جاء محمد، ضرب زيد عمرًا، ربح علي في
تجارته، حمينا نساءنا". حيث تجد الفعل قد أسند إلى فاعله الحقيقي الذي فعله
وقام به. وانظر إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34] وقوله -عز
وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ
تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26] تجد أن الأفعال: "ينزل، يعلم، تؤتي، تنزع، تعز، تذل" قد أسندت
إلى فاعلها الحقيقي، وهو الله تعالى.
ومن الأبنية المجازية قولك: "ربحتِ التجارة، حمت
السيوف النساء، سار الطريق، جرى النهر، أذل الحرص أعناق الرجال، تخطفهم الطريق،
جمعتهم الطاعة وفرقتهم المعصية". حيث أُسْنِدَت الأفعالُ كما ترى إلى غير
فاعلها الحقيقي، فالتجارة لا تفعل الربح، والسيوف لا تفعل الحماية، والطريقُ لا
يسير ولا يتخطف، والنهر لا يجري، والحرص لا يفعل الإذلال، والطاعة لا تفعل الجمع،
والمعصية لا تفعل التفريق؛ ولذا كان الإسناد في هذه الأمثلة إسنادًا مجازيًّا.
وانظر إلى قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ
مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: 6، 7] وقوله عزَّ وجلَّ:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ
تِجَارَتُهُمْ} [البقرة: 16] إنك تلاحظ أنه قد أسندت "راضية" اسم فاعل
إلى ضمير العيشة، والعيشة تكون مرضية لا راضية، وأُسْنِدَ الرِّبحُ إلى التجارة،
والرابح هو صاحبها، وليست هي، فالإسناد في الآيتين إذن إسناد مجازي.
تعريف الحقيقة العقلية:
الحقيقة العقلية هي: إسناد الفعل -أو معناه- إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر.
تعريف المجاز العقلي:
المجاز العقلي هو: هو إسناد الفعل، أو معناه، إلى ملابس له، غير ما هو له بتأول.
وللفعل ملابسات شتى: يُلَابِسُ الفاعل، والمفعول به، والمصدر، والزمان،
والمكان، والسبب.
أول من ابتكر مصطلح المجاز العقلي:
يدَّع بعض الباحثين أن المجاز العقلي من ابتكارات الإمام
عبد القاهر الجرجاني، ولكن عندما نرجع إلى أصول البلاغة في التراث العربي لدى
الدارسين الأوائل نراهم قد اهتموا بدراسة هذا الأسلوب، وأشاروا إليه كما أشاروا
إلى غيره من مسائل البلاغة وفنونها، وإن لم يسموه بهذه التسمية، فقد أشار إليه
سيبويه في كتابه عند حديثه عن بيت الخنساء:
ترتع ما غفلت حتى إذا ادَّكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
إذ يقول: "فجعلها الإقبال والإدبار مجاز على سعة
الكلام كقولك: نهارك صائم، وليلك قائم".
وتحدث عنه أيضًا أبو عبيدة في كتابه مجاز القرآن وذكر
الآية الكريمة: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] قال: "وإنما
يرضى بها الذي يعيش فيها". وقال عن الآية الكريمة: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا
جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [النمل: 86] قال:
"مجاز ما كان العمل والفعل فيه لغيره أن يبصروا فيه، ألا ترى أن البصر إنما
هو في النهار، والنهار لا يبصر، كما أن النوم في الليل، ولا ينام الليل، فإذا نيم
فيه قالوا: ليله نائم ونهاره صائم، قال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السُّرى ... ونمت وما ليل
المطي بنائم"
وينمو الحديث عن أسلوب المجاز العقلي عند الفراء في
كتابه معاني القرآن؛ إذ أشار إليه في الآيات: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ} [هود: 43] {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ
رَاضِيَةٍ} [القارعة: 7] كذلك في قول الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم
الكاسي
فالمعنى: لا معصوم اليوم من أمر الله، خلق من ماء مدفوق،
في عيشة مرضية، واقعد فإنك أنت المطعوم المكسو.
كما تحدث عنه في قول الله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ
تِجَارَتُهُمْ} [البقرة: 16] إذ يقول: ربما قال قائل: كيف تربح التجارة؟ وإنما
يربح الرجل التاجر، وذلك من كلام العرب: ربح بيعك، وخسر بيعك، فخصّ القول بذلك لأن
الربح والخسران إنما يكونان في التجارة، فعلم معناه. ومثله في كلام العرب: هذا ليل
نائم. ومثله في كلام الله -سبحانه وتعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} [محمد: 21]،
وإنما العزيمة للرجال. فهنا تراه يضيف جديدًا إلى دراسة هذا اللون هو أن يكون
المخاطب عالمًا بموضع التجوز عارفًا بالإسناد الحقيقي الذي عدل عنه، وهذا يتم عن
طريق السياق وقرائن الأحوال.
وتحدث الجاحظ أيضًا في الحيوان عن المجاز العقلي وقال:
"وسمع الحسن رجلًا يقول: طلع سهيل، وضرب الليل. فكره ذلك وقال: إن سهيلًا لم
يأت بحر ولا ببرد قط.
***