قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [الناس: 1-6].
هذه السورة المباركة تتحدث عن توحيد الله الملك
الحق المبين الأعظم من كل عظيم، وهذه السورة أساس في الدين والإيمان بالله وحده لا
شريك له، فيها تنزيه لله سبحانه وتعالى عن الشرك وعن الوالد والولد، وتدعو إلى
الإيمان بالله الواحد الأحد المتفرِّد بالوحدانية.
بدأت سورة الإخلاص بخطاب الله عز وجل إلى نبيه صلى
الله عليه وآله وسلم، بفعل أمر (قُلْ)؛ وهذا الأمر يفيد الحث على وحدانية الله
سبحانه وتعالى، وما بعد فعل الأمر مأمورٌ بتبليغيه واعتقاده. وقُدِّم فعل الأمر
للأهمية وشد انتباه السامع إلى ما سيأتي بعده.
ثم تلا هذا الفعل ضمير الشأن (هو)؛ وهو يدل على
الاختصاص، أي: هو الْمُتَفَرِّد بهذا الوصف وهو الوحدانية الْمُطْلَقة التي لا
تليق بأحد غيره.
وجاء لفظ الجلالة ظاهرًا للأهمية والتعظيم
والعناية بشأن ذكره. وأوثر التعبير بلفظ (أحد) على (واحد) لأن (واحد) اسم فاعل لا
يفيد التمكن، أما لفظ (أحد) فهو يفيد التمكن.
ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه في السورة
بقوله: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ والصَّمد: هو الذي يُقصد في الحوائج
دائمًا، وهذا الوصف ملازمٌ له، ونُلاحظ أنَّ الخبر أفاد فائدة معلومة بالضرورة،
فكيف بِمَنْ يملك مقادير كل شيء ألا يحتاج إليه جميع الناس؟!
وكرّر سبحانه لفظ الجلالة للأهمية التي تفيد بأن
اختصاصه الصمد وحده لا شريك له، فلا يشاركه فيها أحد من المكلَّفين.
ثم نفى الله عن نفسه النظير والمثيل، فهو لم يلد
ولم يولد؛ لانعدام مجانسته، فكما هو منفردٌ بالوحدانية كذلك هو منفرد بالألوهية
والربوبية المطلقتين، ونلاحظ أنَّه أتى بلفظ (لم)؛ ليدل بالنفي القاطع الجازم على
هذا المعنى الثابت.
ثم يُؤكِّد الله المعاني السابقة بألفاظ أخرى
مغايرة، فأتى بنفي المكافئ والمثيل مرة أخرى بلفظ (لم) والفعل المضارع (يكن) الدال
على الثبوت والاستمرار، كما جاء بلفظ (أحد) لنفس الجنس، أي لنفي أي جنس أحد من
المخلوقات أن يكون له مكافئ أو نظير أو مثيل.
ونرى أن الآيات بدأت وانتهت بأوصاف لا تليق إلا
بالذات العلية سبحانه وتعالى ولا تستقيم مع غيره كالوحدانية والصمدية والفردانية
المطلقة، وذلك بكونه مستغنيًا عن الخلق والولد والزوجة، متفردٌ بالإرادة والمشيئة.
وورد الفعل المبني لما لم يُسمَّ فاعله
"يولد" للدلالة على نفي الوالد عن الله، فالفعل المبني للمجهول يأتي
لعدة دلالات أبرزها: شهرة المسمَّى وعدم الحاجة لذكره، فهو معلوم لكل عاقل.
وقد تميَّزت الفاصلة القرآنية في آيات السورة
بالتناسب، فكل آية خُتمت بحرف الدال؛ لتستقيم الدلالة الصوتية المتقاربة، ولتدرك
العقول روعة النسيج العذب الذي نزل من حكيم عليم.
***