التشبيهات القرآنية التي تُصوِّر وصف النار

                      التشبيهات القرآنية التي تُصوِّر وصف النار

  التشبيهات القرآنية التي تُصوِّر وصف النار :النار في الآخرة: هي دار الكافرين، يَبْقُون فيها خالدين، وفيها من صنوف العذاب الأليم ما لا يستطيع البشر تخيُّله، وفيها من أنواع الخزي ما لا يُطِيقُه أحد.

وقد ورد في الآيات القرآنية أسلوب التشبيه لما يلاقيه أهلها، فجاءت تشبيهات قرآنية لشرر النار، وطعام أهل النار، والماء الذي يشربه أهل النار، وطريقة شُرْبِ أهل النار.

أولا: تشبيه شرر النار

شبَّه القرآن الكريم شرر النار بتشبيهين في موضع واحد، وهو قوله تعالى في سورة المرسلات: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾ [المرسلات: 32، 33].

شبه الشرر مرة بالقصر، وشبهه مرَّة أخرى بالجمالة الصفر في تشبيهين متتابعين، وقد بدأ سياق الآيات بأمر الكفار بالانطلاق في قوله: (انْطَلِقُوا) لأنهم كانوا في حبس الحشر والحساب وأهوالهما، فأمرهم ربنا بالانطلاق فاستبشروا بالخلاص مما هم فيه، فقال لهم: (إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) فخاب رجاؤهم، وانقلب استبشارهم غمًّا؛ لأنهم منطلقون إلى ما كانوا يُكذبون به في الدنيا، ثم أمرهم ثانيًا بالانطلاق فقال: (انْطَلِقُوا) فعاودهم الأمل في الخلاص وعاودتهم البُشرى وازداد أملهم واستبشارهم هذه المرة حين أتبع الأمر بالانطلاق بقوله: (إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ) وما لبثوا إلا قليل حتى انقلب رجاؤهم واستبشارهم خيبة وحسرة أكبر، حين وجدوا ذلك الظل ذي ثلاث شُعب ليس ظلا، وإنما هو دخان عظيم يُحيط بهم  ويرتفع فوقهم كأنه ظلة (لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ)، والضمير في قوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ) يعود على النار وإن لم يجر لها ذلك للعلم بها، كما أن ما ذُكر من أهوال دخانها ولهبها دالٌّ عليها ومُغْنٍ عن التصريح باسمها، فدلائلها تنبئ عنها وتُخبر بها.

ولم تصف الآيات النار ذاتَها، وإنما وصفت عِظَم دُخانها وكثرته وإحاطته، ووصفت عِظَم شررها وتطايُره، فكان فظاعة ما وصفت من الدخان والشرر دليلا على فظاعة النار وعِظَمها.

وقدَّم وصف الدخان على تشبيه الشرر؛ لأن الدخان الكثيف تتسع دائرته لتحيط بهم، فهم يرونه ويختنقون منه قبل أن يُصيبهم شرر النار، فإذا ما أصابهم شررها وعاينوا عظمه وثقله ووجدوه كالقصر وكالجمالة الصُّفر كانت رؤية النار أفظع، وكانت مُواقعتُهُم إياها هولًا أشد، فالآيات تتدرج تدرُّجًا طبيعيًّا، الدخان ثم الشرر، ثم لا يكون بعدهما إلا النار، أجارنا الله تعالى منها.

والشرر: جمع شررة، والقصر واحد القصور، وهو البناء العظيم، ووجه الشبه في تشبيه الشرر بالقصر: العِظَم والطُّول. قال ابن عباس: إن هذا التشبيه ورد في بلاد العرب، وقصورُهم قصيرةُ السَّمك، جاريةٌ مجرى الخيمة.

والتشبيه الثاني في قوله تعالى: (كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ) شبه الشرر بالجمالة، جمع جَمَلٍ، وهي الإبل، كالحجارة جمع حجر، والصُّفر: السُّود، قيل لها صُفْر لأن ألوان الإبل سود تضرب إلى الصُّفْرَة.

وإذا كان التشبيه بالقصر ناظرًا إلى العظم والطول والضخامة، فإن التشبيه بالجمالة الصفر لا يخلو عن هذه المعاني وإن روعي فيه اللون والسرعة والحركة.

وجمع الشرر في المشبه يدل على كثرته، وإفراد القصر في المشبه به يدل على وحدته واجتماعه ليكون أشد أيلامًا، وجمع جمالة في التشبيه الثاني يدل على الكثرة، وهذا يُناسب حال تفرق الشرر قِطَعًا كبيرة.

وهذا التشبيه القائم على إعطاء صورتي الجمع والتفريق في جانب تشبيه الشرر يوافق تصوير الدخان قبله في قيامه على الاجتماع أولا في قوله: (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ) ثم التشعب إلى ثلاث شعب في قوله: (ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ)، وبهذا تتفق الصورتان في وصف أهوال الدخان والشرر حال اجتماعهما وحال افتراقهما.

وليس المراد تشبيه شرر النار مطلقا بالقصر والجمال الصفر، بل تشبيه الشرر عندما ترمي به النار، ولذا صدر التشبيه بالفعل المضارع (ترمي) الدال على التجدد، وإذا كان الشرر المرمي بهذه الضخامة والعظم فإنه يدل على قوة اشتعال النار ودفعها؛ لأن الرمي على قدر قوة الرَّامي.

وحُذفَ مفعول (ترمي) للعلم به من السياق، أي ترمي مَنْ يُكذِّب بها، ولتتوفر العناية على إثبات الرمي المتجدد القوي لها حتى لا ينشغل أحد عن هذا بالبحث عن الْمَرْمِيّ بها مَنْ هو؟ إذ المهم أنها يكون منها هذا الرمي القوي المتتابع، فالحذف فرغ المجال لوصفها هي؛ لأنه عين المراد في السياق.

إن التشبيهين هنا جمعا بين عناصر متباعدة، فشرر النار من واد، والقصر من واد، والجِمال الصفر من واد، بل إن النار تفسدهما إفسادًا، والقصر من جنس الجماد، والجِمال من جنس الحيوان، فأعطى القرآن شبهًا للشرر من جنسين مختلفين وواديين بعيدين، فجاء التشبيه فيهما غريبًا نادرًا، وفي الجمع بين المتباعدات إشارة إلى أن عناصر الكون المتباعدة تجتمع لتعذيب الكافر تبرؤا منه وغضبًا عليه؛ لأن الجليل سبحانه وتعالى غضب عليه، فالقاصي منها والداني نكال عليه.

***

ثانيًا: تشبيه طعام أهل النار

ذكر القرآن الكريم طعام أهل النار في مواضع، منها ما جاء على غير طريق التشبيه، كقوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ﴾ [الحاقة: 35 -37]. وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية: 6، 7]. ومنها ما سلك طريق التشبيه وذلك في موضعين:

الموضع الأول: قوله تعالى في سورة الصافات بعدما ذكر عباد الله المُخلصين وما أعدَّ لهم في الجنات من رزق معلوم ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ [الصافات: 62 - 70].

شبَّه طلع شجرة الزقوم أي ثمرها برؤوس الشياطين، تشبيهًا جاريًا على ما استقر في النفوس كلها من قُبح صورة الشيطان، وأنها استحوذت على القُبح كله، وكان الناس ولا يزالون يقولون: إذا لقيت فلانًا لقيت شيطانًا، ويقولون: فَرَّ كأنما فرَّ من شيطان، فيشبهون بالشيطان؛ لأنه مَخُوفٌ مُرعب.

والمشبه وهو الثمر هو متاع النظر وبُهجة النفس وغاية ما يُرجى من الشجر، ولذا تراهم يمدحون الشجرة المثمرة ذات الطلع، ويذمون الشجرة التي لا تثمر، ويضربونها مثلا للقول بلا عمل، فيقولون: قول بلا عمل كشجرة بلا ثمر. شبهت الآية الثمر الذي هو أفضل ما في الشجر برؤوس الشياطين، فجمع التشبيه بين طرفين مُتباعدين؛ لأن طلع الشجر لا يخطر بالبال أن يكون في قَرَنٍ واحد مع رؤوس الشياطين، أو أن تربطه بها رابطة، فالطلع من واد ورؤوس الشياطين من واد آخر، ويا بُعْدَ ما بينهما!! وقَدْرٌ كبير من براعة التشبيه في التوفيق بين هذين المتباعدين وجمعهما في رِبْقة واحدة.

ثم إن الآيات لم تكتف بتشبيه الطلع برؤوس الشياطين، وهي صورة كريهة قبيحة بمجرد النظر إليها، فكيف إذا صار طلع شجرة الزقوم طعامًا لا يجد المرء سواه، وأن يُقهر على تناوله قهرًا، فيأكل شيئًا قبيحًا بشِعًا كرؤوس الشياطين ويلوكه بفمه ويستقر في بطنه وأحشائه، ثم لا يكتفي منه بما يسد رمقه بل يملأ بطنه كما قال ربنا (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ) فهذا عذاب مضاعف، عذاب بقبح المنظر عند رؤية شجر طلعه كرؤوس الشياطين، وعذاب بمجرد ذوق هذا الطعام، وعذاب بالأكل منه، وعذاب بملء البطن، وعذاب بعد ذلك بما يحدثه هذا الأكل في الأمعاء من ثورة وغليان ﴿كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾ [الدخان: 45، 46].

فالتشبيه في آيات سورة الصافات وارد في سياق مُقابلة نعيم عباد الله المخلصين في جنات النعيم، فالآيات جارية على أسلوب المقابلة، ذكرت في نعيم عباد المخلصين ألوانا شتى إمتاعًا لنفوسهم وترغيبًا في الاقتداء بهم، واكتفت في المقابل بذكر شجرة الزقوم وتشبيه طلعها برؤوس الشياطين، فأغنى ذلك الهول عن استيفاء أقسام المقابلة لما ذكر من نعيم أهل الجنة من الرزق والفواكه والسرر والخمر وقاصرات الطرف عين وإقبال بعضهم على بعض، وكأن شجرة الزقوم وما شبهت به من رؤوس الشياطين وما يُزيل غصصها من الحلق وهو الحميم عذاب كاف.

والتشبيه في هذه الآية من قبيل المتخيَّل، إذ قاعدة التشبيه أن يكون المشبه به أعرف لدى المخاطب وأقوى دلالة على الصفة من المشبه. وهنا شبه ثمر تلك الشجرة بشيء مجهول للمخاطب؛ لأننا لم نر الشيطان فضلا عن رؤية رأسه فكيف وقع ذلك في القرآن الكريم وهو الكتاب المعجز؟ والرد على ذلك هو قياس ما جاء في الآية على ما هو متعارف لدى العرب من أنهم ينسبون إلى أشياء غير موجودة لديهم، ينسبون إليها صفات مخيفة كالغول –التي لا وجود لها في حياتهم- ومع ذلك يقولون اغتالته الغول مبالغة في هلاك إنسان ما، ومن ثم صارت عندهم مثلا لكل ما هو غاية الإهلاك والإفناء، قال امرؤ القيس:

أَيَقْتُلُنِي والْمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي      ومَسْنُونَةٍ زُرْقٍ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ؟

يقول امرؤ القيس كيف يقتلني -هو يتكلم عن صاحبته يهدده زوجها -كيف يقتلني وبجنبي سيف حاد أسنانه زرق تشبه أسنان الأغوال، الأغوال جمع غول، والغول: لم ترها العرب ولم تعرف أنيابها، فوقع المشبه به هنا مجهولا لأن المقام هنا مقام تهديد ووعيد، فالعرب لم تعرف الغول ولم ترها وإنما هدد به ليذهب الذهن في ذلك كل مذهب، ولو كان المشبه به محدودا معلوما لعرف وحدد المشبه، ولكن الآن كل عقل وكل وفكر يذهب في ذلك وفي تصوره في كل مذهب، فكان أبلغ.

الموضع الثاني: قال تعالى في سورة الدخان: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾ [الدخان: 43 - 46].

والْمُهل هو الزيت العَكِر الْمَغْلِي، أو هو مُذَاب الفضة والنحاس، أو الصديد، والحميم: الماء الشديدة الحرارة، شبَّهت الآيات ما يطعمه الأثيم من شجرة الزقوم بالمُهل يغلي في البطون، وشبه غليه في البطون بغلي الحميم.

وقُيِّد المشبه به بقيدين، الأول: (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ)، وهذا يصور تجدد غليانه، فكأن البطون صارت آنية تتأجج النار تحتها فيتجدد غليان ما بداخلها، والثاني: (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) يصور قوة غليان المهل في البطون بتشبيه غليه بغلي الحميم، وهو الماء الذي انتهى غليانه. وهذا التشبيه قيد في التشبيه الأول، وبهذا دخل التشبيه الثاني في الأول وتآزرا لتشبيه طعام شجرة الزقوم في بطن الأثيم، وأعطيا صورة نامية، تبدأ بالمهل، وتزداد حدة وشدة بغليانه في البطون، وتبلغ ذروتها حين يشبه غليها بغلي الحميم، وكأن حال هذا الأثيم في سواء الجحيم تنتقل من سيء إلى أسوأ، ومن خبيث من العذاب إلى أخبث.

***

ثالثا: تشبيه الماء الذي يشربه أهل النار

شبه القرآن الكريم الماء الذي يشربه أهل النار بالمهل يشوي الوجوه في قوله تعالى في سورة الكهف: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: 29].

والمهل: هو الزيت العكر المغلي، وسياق التشبيه يبين لنا أن الظالمين محبوسون في النار حبسًا لا فكاك لهم منه ولا مهرب؛ لأن النار محيطة بهم كما يُحيط السرادق بما ضرب عليه، وجاءت جملة التشبيه بعد هذا الهول مفتتحة بـ(إن) الشرطية في قوله: (وإن يستغيثوا)، والتعبير بإن يفيد الشك في صدور الاستغاثة منهم، وقد أفادت أنهم في يأس من أن يغاثوا؛ لأن العذاب المحيط بهم والهول المفزع لهم لا ينبئ عن غوث، فلما جاء جواب الشرط (يغاثوا) كأنه أحياء هذه القلوب اليائسة وبعث الأمل في الغوث والنجاة من هذه النار، أو تخفيف عذابها على الأقل. ثم جاء تشبيه هذا الماء ليضع نهاية لهذا الأمل المتصاعد، (يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) فتحطم الأمل، وحط هذه النفوس من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، هكذا بكلمة واحدة (كالمهل) التي تصور بحركات أصواتها ذلك الجذب العنيف من أعلى عليين.

ولم يكتف في وصف الماء بأنه كالمهل، بل وصفه بجملتين أخريين، الأولى (يشوي الوجوه)، والمقصود أنه يشوي أجسادهم كلها، وهذا من قبيل المجاز المرسل وعلاقته الجزئية، وخص الوجوه لأنها موضع الصيانة والعزة والإباء، ولملاءمة حال أولئك الظالمين؛ لأنهم أعرضوا عن الإيمان واختاروا الكفر أنفة وكبرياء. والجملة الثانية: (بئس الشراب) أي بئس الشراب ماء كالمهل يُغاثون به، ولم يرد ذكر أن هذا الماء للشُّرب في الآية كلها إلا في هذه الجملة.

بهذا يتبين لنا أن المهل في عذاب أهل النار له أوصاف وصور، فهو ماء كالزيت المغلي يشوي الوجوه، وهو شراب موصوف بأنه بئس الشراب، وهو يغلي في البطون غليًا كغلي الحميم، فكثرت أوصافه لكثرة أهواله.

***

رابعًا: تشبيه طريقة شُرْبِ أهل النار

شبه القرآن الكريم طريقة شُرب أهل النار بشرب الهيم في قوله تعالى في سورة الواقعة: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ [الواقعة: 51 - 55].

المشبه في الآية: شرب الضالين من الحميم الحار البالغ النهاية في الغليان، والمشبه به: شُرب الهيم، وهي الإبل العطاش، وقيل في وصفها إنها يصيبها داء فلا تُرْوَى من الماء، واحدها: أَهْيَمٌ، والأنثى: هَيْمَاءُ. وقيل: إن الهُيَام فيه معنى الجنون، وكأن شربهم في النار يُشبه شُرب الإبل التي أصابها الجنون، والهيم صفة لموصوف محذوف، والتقدير: فشاربون شربًا كشُرب الإبل الهيم. وحُذف الموصوف وهو الإبل ليَنْصَبَّ التشبيه على الصفة وهي الهيم، لدلالتها على مُبالغتهم في الشرب مع سوء منظرهم وهم يشربون ذلك الماء السيء، وإذا كان شربهم إياه على هذه الحالة دل على بلوغ العطش بهم كل مبلغ؛ لأنهم يشربون من ماء بلغ الغاية في الغليان، ثم لا يكتفون بشرب ماء يذهب ظمأهم بل يفرطون في الشرب منه مع سوئه.

هذه هي التشبيهات القرآنية التي تصور لنا وصف النار، نسأل الله عز وجل أن يُجيرنا من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل، وأن يرزقنا الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عمل.

***

تعليقات