التشبيهات التي تصور أحوال الكافرين فى القرآن الكريم

           التشبيهات القرآنية التي تصور أحوال الكافرين

صور القرآن الكريم حال الكافرين بصورة عديدة، منها أن الكافرين كالأنعام، ومنها أن الكافر كالميت، أو كالأعمى والأصم والأبكم.

وقد ورد تشبيه الكافرين بالأنعام في أربع مواضع، وهي:

1- قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171].

ورد التصوير الأول في آية سورة البقرة على سبيل الاحتباك، وتقدير المعنى: مثل الذين كفروا وداعيهم، كمثل الغنم وراعيهم، فقد حذف من الأول مثل الداعي لدلالة الناعق عليه، ومن الثاني: المنعوق به لدلالة المدعوين عليه. والنعيق هو: التصويت.

وقد صور القرآن عدم فهم الكافرين، وأنهم في عدم فهمهم كلام الداعي كالغنم في عدم فهمهم كلام الراعي بل هم أضل من هذه البهيمة، فالبهيمة ترى وتسمع وتصيح، أما هم فصُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، ولو كانت لهم آذان وألسنة وعيون، ما داموا لا ينتفعون بها ولا يهتدون بها، فهي لا تؤدي وظيفتها التي خُلقت لها، فكأنهم إذن لم توهب لهم آذان وألسنة وعيون.

ولما أضيف هذا المثل إلى الذين كفروا كان ظاهرًا في تشبيه حالهم عند سماع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم إلى الإسلام بحال الأنعام عند سماع دعوة من ينعق بها، في أنهم لا يفهمون، فكل من الحالة الْمُشَبِّهَة والحالة الْمُشَبَّه بها يشتمل على أشياء: داع ومدعو ودعوة، وفهم وإعراض وتصميم، وكل من هذه الأشياء هي أجزاء التشبيه المركب.

2- وقال تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179].

المشبه: الكفار من الجن والإنس الغير منتفعين بأدوات الإدراك، والمشبه به: الأنعام، وأداة التشبيه: (الكاف)، ووجه الشبه: عدم الانتفاع بالحواس، ونوع التشبيه: مرسل مفصل؛ مرسل: لذكر أداة التشبيه، ومفصل: لذكر وجه الشبه، وغرض التشبيه: تقبيح المشبه.

والمعنى: ولقد خلقنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس –من الـمُصِرِّين على الكفر -لهم قلوب لا يعقلون بها الحق، ولهم أعين لا يبصرون بها سُبُل الهدى، ولهم آذان لا يسمعون بها مواعظ القرآن.

وقدم الأعين على الآذان لأنه -َسبحانه وتعالى- شبههم بالأنعام فأخر السمع ليكون مجاورا لتشبيههم بها؛ لأن الأنعام لا تختلف رؤيتها للأشياء عن رؤية الإنسان لها. وإنما يقع التخالف في السمع إذ لا يميز الحيوان بين النصح وغيره من الأقوال ولا تثمر فيه النُذُر.

وجاء التصوير في هذه الآية مسبوقًا بمقدمات وهي أن لهم قلوب لا يعقلون بها وأعين لا يُبصرون بها وآذان لا يسمعون بها، فلهم هذه الحواس إلا أنها قد تعطلت؛ لذلك شببهم بالأنعام، ثم ترقى في التشبيه وحكم عليهم بالضلال وعدم الانتفاع بما يمكن الانتفاع به، ووجه كونهم أضل من الأنعام أنها لا يبلغ بها الضلال إلى إيقاعها في مهاوي الشقاء الأبدي؛ لأن لها إلهامًا يجعلها تبتعد عمَّا يؤدي بها إلى الهلاك كالتردي من الجبال مثلا، وقوله (أولئك هم الغافلون)، تعليل لكونهم أضل من الأنعام، وهو بلوغهم حد النهاية في الغفلة.

وقد وقع في التدرج في هذا التشبيه في وصفهم بهذه الأوصاف من نفي انتفاعهم بمداركهم، ثم تشبيههم بالأنعام، ثم الترقي إلى أنهم أضل من الأنعام بأسلوب التفضيل، ثم قصر الغفلة عليهم. والترقي في التشبيه لا يُعَدُّ من قبيل المبالغة، بل هو حقيقة واقعة.

وفي تشبيه الكفار المعاندين بالأنعام، تسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.  كأنه قيل: إنهم من الذين لا ينجع فيهم الإنذار، فدعهم، واشتغل بأمر نفسك، ومن هو على دينك في لزوم التوحيد.

3- وقال تعالى في سورة الفرقان: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 44].

جاء التصوير في سورة الفرقان في سياق الحديث عن أهل مكة وعنادهم، فتوجَّه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الأقوام السابقين، وقد ترقى في التعبير بما يُناسب السياق، فقد انتقل من صفة حالهم إلى ما هو أشد من حال الأنعام بأنهم أضل سبيلا، وذلك أن الأنعام تُبصر منافعها ومضارها، فتَلْزَم بعضَ ما تُبْصِره، وهؤلاء يعلم أكثرهم أنه مُعاند فيقدم على النار.

4- ومن تشبيه الكافرين أيضًا بالأنعام في أنهم يأكلون، ويتمتعون وهم غافلون عن مصيرهم الذي ينتظرهم يوم القيامة، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد: 12].

والمعنى: يأكلون غافلين غير مفكرين في العاقبة كما تأكل الأنعام في المسارح والمعالف غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح، وهذه صورة محقرة لشأنهم؛ لأنهم عطَّلوا أدوات المعرفة لديهم، فهم يعيشون ليأكلوا ويشربوا ويتمتعوا وهي أقرب إلى صورة الأنعام التي تأكل من أجل أن تملأ بطونها.

***

(23) التشبيهات القرآنية التي تُصوِّر حال المؤمنين

(24) التشبيهات القرآنية التي تصور حال المنافقين

وجاء تشبيه الكافر بالميت في سورة الأنعام في قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122].

ضربت الآية الموت مثلاً للكفر والضلال، والحياة مثلاً للإيمان والهدى، فالكافر الضال ميت، والجامع بينهما عدم النفع، والمؤمن حي، والجامع بينهما الانتفاع بكل.

وقد روعي في جانب تشبيه الكافر ما روعي في جانب تشبيه المؤمن، فقد قال سبحانه في تشبيه المؤمن: (وَجَعَلنَا لهُ نُوراً يَمْشِى بِه فِي النَّاسِ)، فقوله: " يمشى به في الناس ". زيادة تقرير وإيضاح. وقال في جانب الكافر: (كَمَن مثَلهُ فِى الظُلمَاتِ ليْسَ بخَارِجٍ مِنْهَا)، فقوله: "ليس بخارج منها" زيادة تقرير وإيضاح، لَمَّا روعيت هناك روعيت هنا. فتعادلت كفتا الميزان.

وذكر العلماء أن هذه الآية نزلت الآية في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل بن هشام، وذلك انّ أبا جهل آذى رسول الله فأخبر بذلك حمزة، وهو على دين قومه، فغضب وجاء ومعه قوس فضرب بها رأس أبي جهل وآمن، وهو المروي عن ابن عباس.

وقيل: إنّها نزلت في عمار بن ياسر حين آمن وأبي جهل، وهو المروي عن أبى جعفر، ولكن الظاهر أنّها عامة في كلّ مؤمن وكافر، ومع ذلك لا يمنع هذا نزولها في شخصين خاصين.

وحاصل التشبيهات المركبة الممتزجة في قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122]،

التشبيه الأول: شبَّه الذي أحياه الله تعالى بالإيمان بعد ضلاله -على سبيل النفي، بالضال الذي لا خروج له من ظلمات ضلاله، وأداة التشبيه الكاف، وغرض هذا التشبيه: تزيين المشبه، وتقبيح المشبه به، وبيان الفرق بينهما.

والتشبيه الثاني: شبه تزيين الأعمال السيئة للكفار، بمَنْ زُيِّن له البقاء في الظلمات متحيرًا، وأداة التشبيه: (الكاف)، ووجه الشبه: الزخرفة. نوع التشبيه: مرسل مفصل؛ مرسل: لذكر أداة التشبيه، ومفصل: لذكر وجه الشبه. وغرض التشبيه: تقبيح المشبه.

وحاصل الآية: أنّ مثل مَنْ هداه الله بعد الضلالة ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل، والمهتدي والضال، مثله: من كان ميتاً فأحياه الله وجعل له نورًا يمشي به في الناس مستضيئًا به، فيميز بعضه من بعض، هذا هو مثل المؤمن، ولا يصح قياس المؤمن بالباقي على كفره غير الخارج عنه، الخابط في الظلمات المتحير الذي لا يهتدي سبيل الرشاد.

***

وقد جاء تشبيه الكافر بالأعم والأصم، وذلك في قوله تعالى في سورة هود: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود: 24].

المشبه: الكفار والمؤمنون. المشبه به: الأعمى والأصم، والبصير والسميع. وأداة التشبيه: الكاف. ووجه الشبه: استفادتهم من الحق المسموع والمنظور وعدمها.

فهو تشبيه تمثيلي: مثل فريق المسلمين كالبصير والسميع، ومثَّل فريق الكافرين كالأعمى والأصم، ووجه الشبه: بأنه قد انتزع من حال الفريق الأول في تصامِّهم وتعاميهم المذكورين ووقوعهم بسبب ذلك في العذاب المضاعف والخسران الذي لا خسران فوقه، هيئة منتزعة ممن فقد حاسة البصر والسمع فتخبط في مسلكه فوقع في مهاوي الردى ولم يجد إلى مقصده سبيلا، وينتزع من حال الفريق الثاني في استعمال مشاعرهم في آيات الله تعالى حسبما ينبغي وفوزهم بدار الخلود هيئة تشبه بهيئة منتزعة ممن له بصر وسمع يستعملهما في مهماته فيهتدي إلى سبيله وينال مرامه.

***

وجاء تشبيه المرتد عن الإسلام بالكلب في قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 175-176].

لقد شبَّه الله تعالى حال أولئك الذين ارتدوا عن الإسلام بكلب يلهث، وقد تساءل العلماء عن سر لهاث الكلب فوجدوا أن الكلب لا يخزن الهواء في رئتيه بل يأخذ الهواء ويزفره بشكل مستمر، والعجيب أن هذا اللهاث يبدأ مع الكلب منذ أن يكون جنيناً في بطن أمه ولا يتوقف إلا مع موته، فسبحان الله!

وبعد مراقبة العلماء لجنين الكلب وجدوا أنه يلهث وهو في بطن أمه وبعد أيام قليلة فقط من تكوّنه!! وهنا نرى لطيفة من لطائف القرآن عندما قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾، ففي هذه الآية إشارة إلى أن الكلب مستمر في اللهاث قبل وبعد ولادته وطيلة حياته!

فالكلب يلهث من قلة الأكسجين لأنه لا يخزن أي كمية من الأكسجين بعكس الإنسان الذي تخزن رئتيه كمية محددة من الأكسجين وهذا من رحمة الله تعالى بنا.

فالذي ابتعد عن تعاليم الإسلام واتبع الشيطان فإن حياته ستكون عبارة عن عذاب مستمر وتعب دائم، وإن مثال الكلب هو أبلغ مثال للتعبير عن حقيقة حياة البعيدين عن الله تعالى، وبخاصة المرتدين عن دين الله.

وفي هذا التشبيه تحذير من أن يغتر أحدٌ بعمله، أو بعلمه؛ إذ لا يدري بما يُختم له.

واللافت للنظر الذي يجب التنبيه عليه أن القرآن هنا لا يشبه ذلك الرجل المرتد بالكلب اللاهث، فليس المقصود تشبيه الذات بالذات حتى مع الوصف؛ وإنما المقصود تشبيه صفة ذلك الرجل في تلك الحالة، حالة إعراضه عن الحق مع وعظه أو تركه بصفة الكلب وهو يلهث في الحالتين، فالكلب من حيث هو كلب خلق من مخلوقات الله وهو غير مفكر ولا عاقل، بل قد يتفوق على البعض في بعض الصفات؛ وقد أحل الله صيده إذا كان معلَّمًا، فكيف تُذمّ ذاته، ويجعل موضوعا للمشبه به في هذا السياق المذموم، فالغاية، إذن، تشبيه الصفة بالصفة أو الحالة بالحالة. وفي التشبيه التمثيلي تشبه حالة مركبة بحالة مركبة أي وصفين منتزعين من متعدد، وهذا ليس من ضرب المثل، كما قال أبو حيان؛ وإنما هو وصف لهذا الرجل، فصفته مثل صفة الكلب اللاهث

***

هذه مُثُل وتشبيهات بيَّن القرآن بها ضعف عقيدة الكفر، وقد رأينا الكافر مشبه فيها أعمى مرة وأصم أخرى، وميتاً ثالثة، وكالأنعام بل هو أضل رابعة. يعيش في عزلة عن المجتمع الإنساني الصالح كما تعيش البهائم، يأكل مثل أكلها، ويهيم على وجهه مثلها، يسوم كما تسوم، هي مصيرها أن تذبح لكنها غافلة، وهو مصيره النار.

***


إرسال تعليق


أحدث أقدم
document.querySelector('.button').addEventListener('click', function() { alert('مرحبًا في طريق التعلم!'); });