المشاكله فى القرآن الكريم- التعريف والشواهد

                         المشاكله فى القرآن الكريم

المشاكلة التعريف والشواهد :  تعريف الْمُشَاكلة في اللغة: الْمُماثلة، والشَّكْل: الشِّبْه والِمْثلُ، يقال: تشاكل الشيئان، وشاكل كل واحد منهما صاحبه.

 وتعرفيها وفي اصطلاح البلاغيين: "ذِكْرُ الشَّيء بلفظ غيره لوقوعه في صُحْبَته تحقيقًا أو تقديرًا".

وقولهم في التعريف: (تحقيقًا أو تقديرًا)

          يدلُّ على أن المشاكلة تكون على نوعين:

الأول: المشاكلة اللفظية، تظهر في اللفظ والمفردات، وهي المشاكلة التي تقع تحقيقًا، ومن ذلك قوله تعالى حكاية عن سيدنا عيسى عليه السلام ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة: 116] فإطلاق النفس على ذات الله عز وجل لوقوعها في صحبة (نَفْسِي). ومنه أيضًا قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى: 40]؛ لأن سيئة الثانية بمعنى الجزاء وهو حق فلا يُوصف بأنه سيئة على الحقيقة.

ومنه ما روته السيدة عَنْ السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ، حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ» [رواه أبو داود في سننه (2/ 48)]. والمعنى: أنَّ اللَّه لَا يَقْطَع عَنْكُمْ فَضْله حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَهُ. وَالْمَلَل: الِاسْتِثْقَال مِنْ الشَّيْء وَنُفُور النَّفْس عَنْهُ بَعْد مَحَبَّته، وَهُوَ مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى، فَإِطْلَاقه عَلَيْهِ مِنْ بَاب الْمُشَاكَلَة لوقوعه بصحبة هذا اللفظ.

ومنه ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى في الحديث القدسي: "قَالَ اللهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنْ ذَكَرْتَنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْرًا، دَنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعًا، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعًا، دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعًا، وَإِنْ أَتَيْتَنِي تَمْشِي، أَتَيْتُكَ أُهَرْوِلُ" [رواه الإمام أحمد في مسنده ط الرسالة (19/ 397)]، معنى (ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي) أي: أسر بثوابك على منوال عملك وأتولى بنفسي إثابتك لا أَكِله لأحد من خلقي، فإطلاق النفس على ذات الله عز وجل وارد على منهج المشاكلة لوقوعه في صحبة (نَفْسِك).

ومنه قول ابن الرَّقَعْمَق:

قَالُوا: اقْتَرْحْ شَيْئاً نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ ... قُلْتُ: اطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصَا

طلبَ الشاعر طَبْخَ الجبَّة والقميص على سبيل المشاكلة لطلبهم أن يطبخوا له شيئًا يأكله، ودلّ بهذا على أنّه كان في حاجة إلى ما يَلْبَسُه أكثر من حاجته إلى ما يأكله، فقد عبر عن الخياطة بالطبخ وقوعها في صحبته، فاللفظ حسنٌ لما فيه من إيهام المجانسة اللفظية؛ لأن المعنى مختلف واللفظ متفق، لكن الغرض الأصلي جعل الخياطة كطبخ المطبوخ في اقتراحها لوقوعها في صحبته.

ومنه قول أبي تمام:

من مُبْلِغ أفناء يعرب كلها ... أنِّي بنيتُ الجار قبل المنزل

فالجار لا يُبْنَى بل يُنْتَقى، وإنما عبر عن انتقائه ببنائه قصدًا إلى المشاكلة بين اختيار الجار
وبناء الدار.

***

والثاني: المشاكلة العقلية، تُفهم بالعقل ويُقدَّر فيها المعنى تقديرًا. ومنه قوله تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ [البقرة: 138]، الصِّبغة بالكسر فعلة من صبغ -كالجلسة من جلس- وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ، وهو مصدر مؤكد منتصب عن قوله ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 136]، والمعنى: (تطهير الله)، وإطلاق لفظ الصبغة على التطهير استعارة، وعبر بلفظ الصبغة عن التطهير بالإيمان؛ لأن الإيمان يُطَهِّر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم، فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم: (قولوا أمنا بالله) وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا وطهرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا، أو يقول المسلمون: صبغنا الله بالإيمان صبغة ولم يصبغ صبغتكم، وجيء بلفظ الصبغة للمشاكلة وإن لم يكن قد تقدم لفظ الصبغ؛ لأن قرينة الحال التي هي سبب النزول من غمس النصارى أولادهم في الماء الأصفر دلت على ذلك، كما تقول لمن يغرس الأشجار: (أغرس كما يغرس فلان)، تريد رجلا يصطنع الكرام.

***

والغرض من استخدام أسلوب المشاكلة: لفت نظر السامع إلى جمال العبارة وسمو المعاني، من خلال إضفاء عنصر المفاجأة على دلالة اللفظ المشاكل الذي يتميز عن اللفظ الأول بمعناه الذي يُدرَك بالتأمل والتفكر ورسوخ الفهم، حتى يستقر في الذهن وترتاح إليه النفس.

وقد اتضح لنا من خلال تعريف المشاكلة وذكر أمثلتها أن سر جمالها يكمن في تلك المباغتة التي يأتي بها المتكلم فيُوهم الْمُتلقي بخلاف ما يتوقع من تشابه في المعنى، وإنما يقع التشابه في اللفظ فقط، فهو مُحسِّنٌ من المحسنات المعنوية.

***

تعليقات