من شواهد التشبيه التمثيلي قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17].
المشبه: المنافقون. والمشبه به: مستوقد النار، وإظهارهم
الإيمان بالإضاءة، ثم انقطاع انتفاعهم به بانطفاء النار، وأداة التشبيه: (الكاف).
وجه الشبه: الضلال بعد الهدى.
وتشبيه حال المنافقين في الآية، أمر حقيقي منتزع من
متعدد، وهو: الطمع في حصول مطلوب، لمباشرة أسبابه القريبة مع تعقب الحرمان والخيبة
لانقلاب الأسباب.
يعطينا
الحق سبحانه صورة عما في داخل قلوب المنافقين؛ من اضطراب وذبذبة وتردد في استقبال
منهج الله، وبما أن ما يجري في القلوب غيب عنَّا، قرَّب سبحانه هذا المعنى إلينا
بهذا التشبيه.
والتشبيه هنا في غاية الصحة؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا
أولاً نورًا ثم بنفاقهم ثانيًا أبطلوا ذلك، فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة
أعظم من حيرة الدين.
***
ومنه قوله تعالى: {أَوْ
كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ
أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ
مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 19].
المشبه: المنافقون. والمشبه به: قوم أخذتهم السماء في
ليلة شديدة المطر، مليئة بسحب مظلمة، مع رعد يقصف بالآذان، وبرق يأخذ بالأبصار،
وصواعق يصحبها الهلاك والموت. وأداة التشبيه: (الكاف)، ووجه الشبه: الشك والتردد،
وهو تشبيه تمثيلي؛ لكون وجه الشبه صورة منتزعة من متعدد.
تبين لنا
هذه الآية أن المنافقين قسمان:
منافقون خُلَّص:
وهم المضروب لهم المثل الناري. ومنافقون مترددون: تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة
يخبو، وهم أصحاب المثل المائي، وهم أخف حالاً من الذين قبلهم.
وفي
التشبيه الناري والمائي خصائص تتضمن لهما الخلود والبقاء على مر العصور والأزمان،
كما هي خصائص التشبيهات القرآنية دائمًا، بل كما هي خصائص القرآن الكريم كله.
ولعل السر
في ذلك أن عناصر التشبيه في جانب المشبه به انتزعت مما يعرفه الإنسان ويقع عليه
بصره، وهي مأخوذة من أحوال الطبيعة ومَشاهد الكون.
وبهذا يحقق
التشبيه مغزاه ويكشف معاني تُدرك بالعقل وحده فيصيرها مَشاهد تُرى وتُبصَر، وينفخ
فيها حياة تحركها لتسير بها إلى أعماق النفس.
كما أن من
هذا حاله، فقد بلغ النهاية في الحيرة لاجتماع أنواع الظلمات، فحصلت في المنافقين
نهاية الحيرة في الدين، ونهاية الخوف في الدنيا؛ لأن المنافق يتصور في كل وقت أنه
لو حصل الوقوف على باطنه لقُتِل، فلا يزال الخوف في قلبه مع النفاق.
ولعل مجيء التشبيه بصورة تمثيلية لمزيد إيضاح لحالة
المنافقين من التردد والشك.
***
ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ
يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
المشبه: حال مَنْ يُنفق من ماله قليلا في سبيل الله ثم ينال عليه جزاء عظيمًا. والمشبه
به: حال باذِرُ حَبَّةٍ فأنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة.
وهذا التمثيل تصوير للإضعاف، كأنها حاضرة بين يدي الناظر
فهو من تشبيه المعقول بالمحسوس؛ حيث شبّه الصدقة بالبذر، يعطي الله تعالى بها سبعمائة
حسنة. والمضاعفة لمن يشاء سبحانه بفضله، وعلى حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه. والله
واسع لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة، عليم بنية المنفق وقدر إنفاقه
ووجه الشبه: هو صورة من يعمل قليلا ثم يجني من ثمار عمله
كثيرُا، فهو دفع القليل من ماله وحصل له من وراء ذلك على الخير الكثير.
***
ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي
يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ
صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264].
المشبه:
الكافر الذي يتصدق رياءً، المشبه به: الحجر الأملس المغطى بالتراب فيصيبه
مطر غزير يتركه أملسَ يابسًا، أداة التشبيه: (الكاف)، ووجه الشبه:
سرعة الزوال وعدم القرار. فهذا تشبيه تمثيلي؛ لكون وجه الشبه صورة منتزعة من
متعدد، والغرض من التشبيه: تقبيح المشبه.
***
التشبيه التمثيلي وغير التمثيلي فى القرآن الكريم الجزء الأول
....
ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ
الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ}
[هود: 24].
المشبه: الكفار والمؤمنون. المشبه به: الأعمى والأصم، والبصير والسميع. وأداة التشبيه: الكاف. ووجه الشبه: استفادتهم من الحق المسموع والمنظور وعدمها.
فهو تشبيه تمثيلي: مثل فريق المسلمين كالبصير والسميع،
ومثَّل فريق الكافرين كالأعمى والأصم، وقد زادت الآية على جميع أمثلة التشبيه
التمثيلي كقول امرئ القيس:
كأنَّ قلُوبَ الطيْر رطبًا
ويابسًا لدى وكْرها العنَّاب
والحشَفُ الْبَالِي
وقول بشار:
كأنَّ مُثارَ النَّقع فوق رُؤوسنا وأسيافَنا
ليلٌ تَهاوَى كواكبُهْ
ففي البيت الأول: تشبيه قلوب الطير الرطبة بالعناب،
وتشبيه قلوب الطير اليابسة بالحشف البالي، وفي البيت الثاني: تشبيه الغبار القاتم
والسيوف الملتمعة فيه بالليل الذي تنقض فيه الشهب والكواكب.
أما الآية فقد زادت بتشبيه اثنين بأربعة كما هو واضح فقد
شبهت كل واحد من الكافر والمؤمن تشبيهين.
وبيان وجه الشبه: بأنه قد انتزع من حال الفريق الأول في
تصامِّهم وتعاميهم المذكورين ووقوعهم بسبب ذلك في العذاب المضاعف والخسران الذي لا
خسران فوقه، هيئة منتزعة ممن فقد حاسة البصر والسمع فتخبط في مسلكه فوقع في مهاوي
الردى ولم يجد إلى مقصده سبيلا، وينتزع من حال الفريق الثاني في استعمال مشاعرهم
في آيات الله تعالى حسبما ينبغي وفوزهم بدار الخلود هيئة تشبه بهيئة منتزعة ممن له
بصر وسمع يستعملهما في مهماته فيهتدي إلى سبيله وينال مرامه.
***
ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا
مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ
بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا
أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا
كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].
المشبه: حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد
الإقبال وعدم ثباتها على حال. والمشبه به: حال النبات في جفافه وذهابه حُطامًا
بعدما التف وتكاثف وزيَّن الأرض بخضرته. ووجه الشبه: صورة شيء مبهج يبعث الأمل في
النفوس في أوَّل أمره ثم لا يلبث أن يظهر في حال تدعو إلى اليأس والقنوط.
لقد أضفى التشبيه على معنى الآية صورة منفرة للدنيا يدركها المؤمن الحصيف فلا يغتر بها وبما يبدو عليها من الزينة الظاهرة والبهرج الخادع، فكما أن ذلك الزرع الجميل الذي اكتست به الأرض حلة جميلة زاهية الألوان هلك فجأة وصار إلى زوال ودمار لما جاءه أمر ربه، فكذلك الحياة الدنيا إلى زوال وفناء.
وقد أطنب وأطال في وصف الخصب والزينة والاطمئنان حتى كأن السامع ينظر إلى ذلك المشهد الجميل وبدون حجب، فلما آن الأوان بالهلاك جاءت كلمة واحدة مقتضبة خاطفة (حصيدا) ليقول لهم: في ومضة، وفي جملة، وفي خطفة.
وذلك مقصود في التعبير بعد الإطالة في عرض مشهد الخصب والزينة والاطمئنان− هذه هي الدنيا التي يستغرق فيها بعض الناس، ويضيعون الآخرة كلها لينالوا بعض المتاع، هذه هي، لا أمن فيها ولا اطمئنان، ولا ثبات فيها ولا استقرار، ولا يملك الناس من أمرها شيئاً إلا بمقدار.
إنها حقيقة عظيمة وموعظة جليلة يجليها الله سبحانه لعباده المؤمنين حتى لا ينخدعوا بهذه الحياة الدنيا التي هذه حالها، فكشف عوارها وهتك أستارها وبين لخلقه أسرارها لكي لا يركنوا إليها ولا يفرحوا بملذاتها.
وهذا الجمال في التشبيه من أسرار بلاغة القرآن التي تذهل العقول وتخلب القلوب، وتكاد لحسنها تسحر الأسماع.
***
ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ
فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ
الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: 18]
المشبه: أعمال الكفار في عدم قبولها عند الله.
المشبه به: الرماد الذي أطارته الريح بشدة فأخذته في يوم شديد العصف ففرقته في أماكن متباعدة متفاوتة لا يمكن حصرها أو الوصول إليها.
أداة التشبيه: الكاف في قوله كرماد.
وجه الشبه: هو الهيئة الحاصلة من اضمحلال شيء كثير بعد تجمعه وهو هنا ضياع الأعمال وعدم الاستفادة منها كما يضيع الرماد في الريح فلا يتوصل إليه ولا ينتفع به.
لقد صور التشبيه للناس مشهداً متحركاً عاصفاً يقرع القلوب المؤمنة، ويوقظ النفوس الحية، ويحرك المشاعر الكامنة في الفطر السليمة الزكية، ليقول لها: عليك بالإخلاص أولاً، عض عليه بالنواجذ فهو العروة الوثقى، وحبل الله المتين، وصراطه المستقيم.
فكل عمل −وإن بلغ من الصلاح ما بلغ− فمآله الضياع، ما لم يؤسس على قاعدة التوحيد وركنه الركين ويتزين بزي الإيمان واليقين.
***
. يرجى التدعيم بالمصادر الموضفة في البحث
ردحذفوالذين يدعون من دونه لا يستجيبون لم بشئ الإكباسط كفيه ال الماء ليبلغ فاه وهو ببالغه
ردحذفشكرا جزيلا
ردحذف