أقسام وجه الشبه باعتبار الحسية والعقلية والإفراد والتركيب فى القرآن الكريم الجزء الأول القسم الأول والثانى
تابع أقسام وجه الشبه باعتبار الحسية والعقلية والإفراد والتركيب فى القرآن الكريم
الثالث: وجه الشبه المركب الحسي:وهو
أن يكون في الطرفين وصفان أو عدة أوصاف يتكون من اجتماعها صورة واحدة، ولا يجيء
إلا من طرفين حسيين، سواء كانا مفردين أو مركبين أو مختلفين.
1)
ومما جاء من
طرفين مفردين قول الشاعر:
وَقَدْ لَاحَ في الصُّبْحِ الثُّرَيَا كَمَا تَرَى كنعثقودِ مُلَّاحِيَّةٍ حين نوَّرا
فقد
شبه الثريا وهي النجوم بعنقود العنب قبل تمام نضجه، فالطرفان مفردان، ووجه الشبه:
الهيئة الحاصلة من اجتماع أجسام بيض مستديرة صغيرة في مرأى العين وقد اجتمعت على
هيئة مخصوصة، فهي ليست تامة الالتصاق ولا تامة الافتراق.
فهذا
الوجه المتمثل في هذه الصورة التي ذكرناها، مركب حسي قد انتزع من طرفين مفردين
مقيدين، هما نجم الثريا مقيَّدًا بكونه قد لاح في الصباح، وعنقود العنب مقيدًا
بكونه عنقود ملاحية في حال إخراج النور، والتقييد لا ينافي الإفراد.
2) قد
يكون وجه الشبه المركب الحسي منتزع من طرفين مركبين، كما في قول بشار:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا
وأسيافنا ليل تهوى كواكبه
فوجه
الشبه: وهو الهيئة الحاصلة من تهاوي أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار، متحركة
في جوانب شيء مُظْلِم، هذه الهيئة تمثل لوجه الشبه مركب حسي انتزع من طرفين مركبين
حسيين. ومنه أيضا قول الشاعر:
وكأن أجرام النجوم لوامعًا درر
نثرن على بساط أزرق
فوجه
الشبه وهو الهيئة الحاصلة من تفرق أجسام متلألأة صغيرة المقدار، مستديرة الشكل على
سطح جسم أزرق اللون، صافي الزرقة، هذه الصورة التي تمثل وجه الشبه مركب حسي، وقد
انتزع من طرفين مركبين حسيين.
3) قد
يأتي وجه الشبه المركب الحسي من طرفين مختلفين مثلًا قول الشاعر:
وكأن مُحْمَرَّ الشقيق إذا تصعد أو تصوب أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد
شبَّه
مُحْمَرَّ الشقيق هو نوع من أنواع الزهور أتى بها النعمان في حديقته، وكان في خارج
البلاد، واستقدمه حتى يزرع في مملكته محمر الشقيق، هذا هو المشبه، شبهه بأعلام
ياقوت نشرن على رماح من زبرجد، هذه هي صورة المشبه به.
نجد
أن وجه الشبه -وهو الهيئة الحاصلة من اجتماع أشياء حمراء متحركة منصوبة على قائم
أخضر، وهي موجودة طبعًا في كل من المشبه والمشبه به، نجدها مركب حسي، لكن هذه
الصورة هي المركب الحسي والهيئة الحاصلة- انتزعت من طرفين مختلفين، المشبه مفرد
وهو محمر الشقيق، والمشبه به من المركبات الخيالية، وهي الهيئة المكونة من أعلام
ياقوت نشرن على رماح من زبرجد.
***
أقسام وجه الشبه باعتبار الحسية والعقلية والإفراد والتركيب فى القرآن الكريم
......
الرابع: وجه الشبه المركب العقلي:
ومنه
قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا
التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:
٥]، شبهت الآية حال اليهود الذين حملوا التوراة، وحفظوها في صدورهم، ثم لم يعملوا
بما فيها، ولم يفهموا حقيقة مرماها، شبه هؤلاء بحال الحمار يحمل كتب العلم
النافعة، ويتعب في حملها، وهو جاهل بحقيقة ما فيها، وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة
من حرمان الانتفاع بأبلغ نافع، مع تحمل التعب في استصحابه، حبذا لو نحفظ مثل هذه
الصيغ في المشبه والمشبه به ووجه الشبه؛ لأن لو قلنا مثلًا: أن الآية شبهت اليهود
بالحمار نقول: إن هذا تشبيه خاطئ، لو قلنا: إن وجه الشبه مثلًا هو البلادة، هذا
تشبيه خاطئ، أو حرمان الانتفاع هذا تشبيه خاطئ؛ إذن فلا بد من مراعاة كل جزء جاء
في سورة المشبه، أو في صورة المشبه به، حتى ننتزع من كليهما وجه الشبه الذي يُمثل
المعنى المشترك بين المشبه والمشبه به، وهو -كما قلنا في الآية- الهيئة الحاصلة من
حرمان الانتفاع بأبلغ نافع، مع تحمل التعب في استصحابه.
وهو
كما نرى مركب عقلي انتزع من عدة أمور، روعيت في الطرفين؛ حيث روعي حمل أشياء، وهذه
الأشياء يُنتفع بها أكمل نفع، والحامل لها يتحمل التعب والمشقة في استصحابها، ولا
يجني من وراء تعبه فائدة، كل هذه أمور رُوعيت في تحقيق وجه الشبه من وجه الشبه
المركب العقلي.
ومنه
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ
كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ
يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور:
٣٩]، نجد أن الآية شبهت حال الكفرة في جمعهم بين الكفر وأعمال البر التي يعملونها
في الدنيا، ويحسبونها نافعة ومقبولة عند الله، ثم يرونها خاسرة محبطة يوم القيامة؛
لأنها لم تقترن بالإيمان الذي هو شرط قبولها، ولهذا صورة المشبه لو أي جزء من هذه
الأجزاء سقط؛ إذن فقد اختلَّت صورة التشبيه، شبه هذه الصورة بماذا؟ بحال الظمآن يرى
السراب من بعيد، فيحسبه ماء، فيروي ظمأه، فإذا بلغه لم يجده شيئًا، كل هذه صورة
المشبه به، أي جزء؛ اختلَّ أو سقط. إذن لا يمثل حقيقة التشبيه في الآية الكريمة. ووجه
الشبه بين هاتين الصورتين هو الهيئة العقلية الحاصلة من المنظر المطمع، مع المخبر
الميئس، يعني: الإنسان يطمع في شيء، فإذا جاءه يئس منه، ولم يجد معه شيئًا.
ومنه
ما جاء في قول ابن المعتز:
اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
شبه
حال الحاسد يهمله المحسود بالإعراض عنه حتى يموت كمدًا وغيظًا، بحال النار التي
تمد بالحطب الذي يديم بقاءها، فتأكل بعضها بعضًا حتى تصير رمادًا، كل هذه صورة
المشبه به، وجه الشبه بين هاتين الصورتين هو الهيئة العقلية الحاصلة من سرعة
الفناء؛ لعدم الإمداد بما يسبب البقاء والحياة، هذه صورة أيضًا جاء وجه الشبه فيها
مركبًا عقليًّا.
من
ذلك قول أبي تمام:
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ طُويَت أَتَاحَ لها
لِسَانَ حَسُود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما
كان يُعرف طيب عَرف العود
شبه
الفضيلة يتعرض لها الحاسد ليسترها ويغضُّ من قيمتها، ويُؤذِي صاحبُها، فيكون ذلك
سببًا في ظهورها وشيوع أمرها، كل هذه صورة المشبه، شبه هذه الصورة أو الهيئة بحال
العُود مع النار، فإنها تظهر طيب رائحته، وتسبب انتشارها، فيعم النفع بها، وجه
الشبه هو الهيئة الحاصلة من ظهور فضل الشيء باتصاله بآخر شديد الضرر له، هذه صورة
لوجه الشبه المركب العقلي.
***
الخامس: وجه الشبه المتعدد الحسي:
كتشبيه
(نهر دجلة بنهر النيل في طوله، واتساعه، وعذوبة مائه ... إلى آخره)، وكتشبيه (فاكهة
بفاكهة أخرى في اللون والطعم والرائحة)، فهنا نجد أن وجه الشبه متعدد تعددًا
حسيًّا.
***
السادس: وجه الشبه المتعدد العقلي:
كتشبيه
الأنصار بالمهاجرين في قوة إيمانهم بالله، وفي محبتهم للرسول صلى الله عليه
وسلم، وفي التفاني في نُصْرَة الحق إلى غير ذلك، فهنا نجد أن وجه الشبه قد
تعدَّد تعددًا عقليًّا فـ(المحبة والإيمان والتفاني)، فكل هذه الأمور عقلية لا
تدرك بالحواس.
***
سابعًا: وجه الشبه المتعدد المختلف:
وذلك
مثل تشبيه (الرجل بالشمس في إشراق الوجه، وفي نباهة الشأن)، فإشراق الوجه هذا أمر
حسي يُرَى، أما نباهة الشأن، فهذا أمر عقلي لا يمكن إدراكه بأي من الحواس الخمسة.
***