التشبيهات التي تصور الحق والباطل فى القرآن الكريم
ورد ذكر الحق والباطل في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، وعلى صور بلاغية مختلفة، جاء بعضها عن طريق الحقيقة، والبعض الآخر عن طريق التشبيه والمجاز، بيَّن فيها سبحانه وتعالى أنه الحق وأن له دعوة الحق وهي التوحيد، ومنهجه وقرآنه هو الحق، ويُقابل ذلك أن ما يُعبَّد من دون الله هو الباطل، وأن كل مذاهب وعقائد وتشريعات غير ما سنَّها وأنزلها هي الباطل، وأن دعوة الشرك والإلحاد والكفر هي الباطل، فالباطل معبود ومنهج ودعوة كما أن الحق معبود ومنهج ودعوة.
وبيَّن سبحانه
وتعالى أن الباطل لا محالة زائل، وأن الحق باق في الأرض، قال تعالى في سورة الأنبياء:
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى
الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18]. وقال في سورة الإسراء: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].
المشبه: المشركون حينما يدعون آلهتهم ويرجون نفعها فلا تستجيب
لهم تلك الآلهة بشيء. والمشبه به: مَنْ يُحاول أن يحمل الماء إلى فِيهِ وذلك في كفين مبسوطتين
غير مقبوضتين وأنَّى له أن يبلغه. وأداة التشبيه: الكاف. ووجه الشبه: طلب المحال، والجهل وسوء التقدير للأمور. وغرض التشبيه: بيان حال المشبه. ونوع التشبيه: تشبيه تمثيلي: حيث شبه عدم استجابة المدعوين باستجابة الماء
لمن يسأله أن يأتي إلى فيه وأنَّى له ذلك!
لقد صور التشبيه في هذه الآية المشركين في دعائهم الأصنام
تصويرًا واضحًا فاضحًا فلا يمكن أن تراه في صورة أبلغ ولا أوضح من تلك الصورة، صورة
العطشان الهائم على وجهه حتى إذا ما وجد الماء، أقبل عليه ومد يديه إليه سائلاً ومتوسلا
للماء أن يتحرك من مكانه باتجاه فيه فيروي عطشه، وذلك ما لا يقول به من له مسحة من
عقل. فكذلك تلك الأصنام لا تملك
لنفسها ضرًّا ولا نفعًا، فكيف تنفع غيرها.
شبَّه الله من يدعون آلهتهم دون فائدة بمن يبسط كفيه على
الماء ليشرب، وما دامت الكفان مبسوطتان فلن يصل الماء إلى فمه؛ لأنهما بهذه الكيفية
لا يتمكنان من حمل الماء إلى الفم. قال الزمخشري: "قوله: (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ)
إلا استجابةً كاستجابة باسط كفيه، أي: كاستجابة الماء مَنْ بسط كفيه إليه يطلب منه
أن يبلغ فاه، والماء جمادٌ لا يشعر ببسط كفَّيه ولا بعطشه وحاجته إليه، ولا يقدر أن
يجيب دعاءه ويبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا
يقدر على نفعهم. وقيل: شُبِّهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء
بيديه ليشربه، فبسطهما ناشرًا أصابعه، فلم تلق كفاه منه شيئاً ولم يبلغ طلبته من شربه"
[تفسير الكشاف (2/ 521)].
وفي هذا التشبيه أخرج مالا تقع عليه الحاسّة من عدم
استجابة الأصنام دعائهم في أي حال من الأحوال إلى ما تقع عليه حاسة البصر مُصَوَّرًا
أمام أعينهم، وجاء التشبيه هنا بصورة محسوسة للعين المجردة لكل ظامئ أراد أن يشرب
من أي مصدر من مصادر المياه، فيطلب الماء وهو بهيئة باسط كفيه يبتغي أن يرتفع
الماء ليبلغ فاه ليرويه وما هو ببالغه بذلك الطلب، فيذهب سعيه وتعبه باطلا.
ومن بديع التشبيه في هذه الآية: تطابق هيئة المشبه
والمشبه به، فكلاهما باسط كفيه، فالمشبه بسطهما أمام الأصنام دعاء ونداء لها، يرجو
منها إغاثته ونفعه، والثاني بسطهما أمام الماء يبتغي أن يرتفع الماء ليبلغ فاه
ليرويه وما هو ببالغه بذلك الطلب.
وقد اجتمعا المشبه والمشبه به: في الحاجة إلى نيل
المنفعة، والحسرة بما يفوت من درك الطلبة، وفي ذلك الزجر للمكلفين عن الدعاء إلا
للَّه عز وجل، الذي يملك النفع والضر، ولا يضيع عنده مثقال الذر.
ومن عجائب التشبيه أنه يرينا المشرك في غاية من العطش ولا
يستطيع أن يصل إلى مبتغاه من الماء ليشرب، وهو يعيش في جو بينته الآيات السابقة، إنه
الجو الذي قد ملأه البرق والرعد والسحاب الثقال.
وختم
هذه الآية بجملة (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي
ضَلَالٍ) فيه تأكيد بعد تأكيد أن سعيهم في خسار، وأن دعائهم في ضياع سواء دعوا
تلك الأصنام، أم دعوا الله مع تلبسهم بالشرك وإصرارهم عليه.
إنه تشبيه صادق يدعو أصحاب العقول ليتفكروا في أنفسهم وآلهتهم،
أفمن يخلق أحق أن يُعْبَد أم من لا يخلق؟! أفمن يرزق أحق أن يُشْكَر أم من لا يرزق؟!
أفمن يضر وينفع أحق أن يُخْشَى ويُرْجَى أم من لا يضر ولا ينفع؟!
**
التشبيهات القرآنية التي تمثل الحياة الدنيا
(26) التشبيهات القرآنية الخاصة بأعمال الكافرين يوم القيامة
وقد مثَّل سبحانه وتعالى للحق الذي هو كتابه وكيف تلقته قلوب عباده واستجابت له، وموقفه مع الباطل وصراعه معه بقوله تعالى في سورة الرعد: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ [الرعد: 17].
نوع التشبيه:
تشبيه مركب تمثيلي، حيث شبه جملة من الأشياء بأشياء أخرى على النحو الآتي:
المشبه: الحق المنزل من السماء الذي فيه حياة الأرواح - النفع
الذي يحتاجه الناس - القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها فيه - الشهوات والشبهات التي في
القلوب عند وصول الحق إليها.
المشبه
به وهي على الترتيب: الماء المنزل من السماء الذي فيه حياة الأبدان - النفع الحاصل
من الماء - الأودية واختلافها في حملها للسيل - الزبد الذي يكون فوق الماء.
أداة
التشبيه: الكاف. ووجه الشبه: حياة الروح بالقرآن وحياة الأرض بالماء وكلاهما منزل من السماء.
غرض
التشبيه: تزيين الحق ونفعه في التشبيهين
الأولين - بيان حال القلوب في التشبيه الثالث - تقبيح الشهوات والشبهات في التشبيه
الرابع.
والزبد هو:
ما يكون طافيًا على وجه الماء من أقذار ونحوها. وجاء لفظ (ماء) نكرة للتكثير، أي فيض
سخي، أو للنوعية، والمراد ماء المطر الذي لا يحمل إلا الخير. ومعنى (سالت)، أي: جرت
وامتدت، وأصل الوادي: الموضع الذي يسيل فيه الماء. وجاء لفظ (أودية) نكرة؛ لأن المراد
نوع خاص منها.
وفي هذا دليل
على أن من أقبل على الحق وعرض نفسه عليه لم تجد نفسه بدًّا من الإيمان به؛ لأن الفطرة
مهيأة لقبول ذلك، وأنَّ من أعرض وأنكر كان كمن يُغطِّي فطرته، ويحجب بصره، ويَغُلَّ
عقله، وينأى بنفسه عن هذا الخير والنور.
شبَّه إنزال
القرآن الذي به الهدى من السماء بإنزال الماء الذي به النفع والحياة من السماء. وشبه ورود القرآن على أسماع الناس بالسيل يمر على
مختلف الجهات فهو يَمرّ على التّلال والجبال فلا يستقر فيها ولكنه يمضي إلى الأودية
والوهاد فيأخذ منه كُلّ بقدر سعته. وتلك السيول في حال نزولها تحمل في أعاليها زَبَدًا، وهو رغوة الماء التي
تربو وتطفو على سطح الماء، فيذهب الزبد غير منتفع به ويبقى الماء الخالص الصافي ينتفع
به الناس للشراب والسقي.
ثم شُبهت هيئة
نزول الآيات وما تحتوي عليه من إيقاظ النظر فيها فينتفع به من دخل الإيمان قلوبهم على
مقادير قوة إيمانهم وعملهم، ويمر على قلوب قوم لا يشعرون به وهم المنكرون المعرضون،
ويخالط قلوبَ قوم فيتأملونه فيأخذون منه ما يثير لهم شبهات وإلحادًا.
شبه ذلك كله
بهيئة نزول الماء فانحدَارِه على الجبال والتلال وسيلانه في الأودية على اختلاف مقاديرها،
ثم ما يدفع من نفسه زبداً لا ينتفع به ثم لم يلبث الزبد أن ذهب وفني والماء بقي في
الأرض للنفع.
ولما كان المقصود
التشبيه بالهيئة كلها جيء في حكاية ما ترتب على إنزال الماء بالعطف بفاء التفريع في
قوله (فسالت)، وقوله (فاحتمل) فهذا تمثيل صالح لتجزئة التشبيهات التي تركب منها وهو
أبلغ التمثيل.
بهذا التمثيل
الرائع البديع الذي مثل بين أيديهم في الأجواء البارقة الراعدة، والسماء تُمطر والماء
يتدفق بين الجبال وعلى التلال، ثم يهبط سريعًا من كل مرتفع حتى يملأ الأودية، فإذا
بها تسيل في منظر بديع يملأ النفس رغبةً ورهبةً وهي ترى وتسمع هدير الماء ودويَّه وقوة
اندفاعه وجيشانه يشنف الآذان الواعية ويملأ القلوب الخالية فتُخبت له وتنقاد إليه،
وتحسبها لشدة تأثرها به وإقبالها عليه كأنها تسيل، أفمن يعمى عن هذا الحق الذي أهاج
الكون كله هل يستوي هو من يُبصر، أم هل تستوي ظلمات الكفر والشرك والنفاق مع نور الحق
والإيمان واليقين؟
بهذا التمثيل
ينتصب الحق مرئيًا مُشاهدًا في أعظم آية من آيات الله في الكون في هذا الماء الذي جعل
الله منه كل شيء حيًّا، بل هو عين الحق لشدة المماثلة.
هذا مثل ضربه
الله تعالى ليتبين للناس الفروق بين الحق والباطل والهدى والضلال فالماء الصافي من
الشوائب الباقي على هيئته التي أنزله الله عليها مثل القرآن المنزل لأن في الأول حياة
الأشباح وفي الثاني حياة الأرواح، وبقاء القرآن والهدى في القلوب، واختلاف تلك القلوب
في الانتفاع به مثل الأودية وتفاوتها في حملها للسيل واستفادتها منه. وفي الجانب الآخر
مثل بالزبد للشهوات والشبهات بينما الحق مثل الماء المفيد الماكث في الأرض الذي به
حياة أهل الأرض.
وعلى نحو هذا التمثيل وتفسيره جاء ما يبينه من التمثيل الذي جاء في الحديث النبوي، روى الإمام البخاري في صحيحه، عن
أبي موسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ،
كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ،
قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا
أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا
وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ
قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ
فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ،
وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ
الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ».
***
من التشبيهات القرآنية التي تصور الحق والباطل
وقد مثَّل سبحانه وتعالى للحق الذي هو كلمته ودعوته وهي أساس الدين وشعار الإسلام ومفتاح دار السلام، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى التي من أجلها قامت السماوات والأرض وفطر الله عليها جميع المخلوقات، ومثَّل فيما يقابلها لكلمة الكفر والشرك فقال تعالى في سورة إبراهيم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 24: 27].
المشبه في الآية
الأولى: كلمة التوحيد والإيمان. المشبه به: الشجرة الطيبة. أداة التشبيه: الكاف. وجه الشبه: الثبات والسمو والارتفاع وكثرة الثمر.
لقد وصف هذا
التشبيه كلمة التوحيد وما يتبعها من الإيمان في قلب العبد المسلم أعظم وصف، واختار
أفضل الأشجار لتكون شبيهة له، فكما أن النخلة راسخة الجذور لا تهزها الأعاصير، ممشوقة
القوام لا يصل إليها الأقزام، فكذلك التوحيد والإيمان في قلب المؤمن راسخ كالجبال الراسيات،
ثابت لا تغيره شبهة قادمة، ولا تؤثر فيه شهوة عارمة، ولا تفت من عضده قوة ظالمة.
هكذا المؤمن
الحق لا تزعزع قناعاته رياح الباطل، ولا تصل إلى قلبه صيحات التغيير ونعرات الجهل،
ولا تطاله معاول الطغيان، ذلك أنه أدرك الهدى فأحبه وعمقت جذوره في قلبه فلا يتركه
لغيره، ولا تمتد عينه لسواه، فكيف يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وقوله تعالى:
﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ
مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ
الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 26، 27].
المشبه: كلمة
الشرك والكفر. والمشبه به: الشجرة الخبيثة. وأداة التشبيه: الكاف. ووجه الشبه: عدم الثبوت وانعدام النفع وقبح الصفات.
لما وضح التشبيه
السابق كلمة التوحيد وما اختصت به من ثبات وحسن ثمر، جاء هذا التشبيه ليبين الضد من
ذلك وهي كلمة الكفر وقد اختار شجرة الحنظل −على
الراجح− كمثال للخبث في كل معانيه فطعمها
خبيث ولا جذور لها وضررها أكبر من نفعها −لو
كان لها نفع− بل تلتف على ما حولها من شجر
فتتلفه ولهذا من أول ما يفعله الزراع أن يجتثوها أي يستأصلوها من جذورها للإشارة إلى
عدم ثباتها لأنه لا عروق لها فلا يحتاج لأن يحفر لها بل يجذبها بيده من على سطح الأرض
فسرعان ما تنقلع. فإذا ما أثمرت فبئس الثمر ثمرها
فكذلك الكافر لا أصل ثابت لعمله، ولا يرتفع منه عمل صالح.
وهكذا أبرز
لنا التشبيه تلك الصورة الخبيثة لحال الكافر وقبح عمله وسوء عاقبته في مقابل تلك الصورة
الجميلة والثمرة الطيبة اليانعة للمؤمن، فيكون هذا المثال دال على الطريقين ومخبراً
بحال الفريقين وليقيم الحجة على العالمين فقد تبين الرشد من الغي.
وفي التشبيه
بيان أن أعمال الكفار وإن كانت تبدو في أحسن مظهر فأنها قبيحة المخبر، فلا تغني عنهم
شيئاً فلا أصل صحيح لها وليس فيها ما يصلح ليرفع فينفع.
***