نبذه عن كتاب دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجانى

 


 كتاب دلائل الإعجاز

تأليف الإمام:عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجانى

تحقيق الشيخ: محمود محمد شاكر

الناشر: مكتبه الخانجى مطبعه المدنى ونشر عام 2009

عدد الصفحات :723
                                      
                                                ***      

صاحب كتاب دلائل الإعجاز هو الإمام أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني (400 - 471هـ/1009- 1078م) نحوي وَمتكلم، وُلِد في جرجان لأسرةٍ رقيقة الحال، نشأ ولوعًا بالعلم، مُحبًّا للثقافة، فأقبل على الكتب يلتهمها، وخاصةً كتب النحو والأدب.

ويعتبر الإمام عبد القاهر هو مؤسس علم البلاغة، أو أحد المؤسسين لهذا العلم، ويعد كتاباه: دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة من أهم الكتب التي أُلفت في هذا المجال، وقد ألفهما الجرجاني لبيان إعجاز القرآن الكريم وفضله على النصوص الأخرى من شعر ونثر، وقد قيل عنه: كان ورعًا قانعًا، عالِمًا، ذا نسك ودين، كما ألف العديد من الكتب، وله رسالة في إعجاز القرآن بعنوان "الرسالة الشافية في إعجاز القرآن" حققها مع رسالتين أخرىين للخطابي والرماني في نفس الكتاب كل من محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام، وهي من أفضل ماكُتِب في الإعجاز نفى فيها الجرجاني القول بالصرفة، مؤيدًا كلامه بالأدلة القاطعة، والحجج الدامغة. توفي عبد القاهر الجرجاني سنة 471 هـ.

وقد بدأ الإمام عبد القاهر كتاب دلائل الإعجاز بمقدمة تحدث فيها عن مكانة العلم، وعن الشعر والنحو، ومهّد للكلام في الفصاحة والبلاغة وفي إعجاز القرآن، وتحقيق القول في البلاغة والفصاحة، ثم انتقل إلى الكناية والاستعارة والتمثيل بالاستعارة، ورجّح الكناية والاستعارة والتمثيل على الحقيقة، وانتقل إلى الحديث عن تفاوت الكناية والاستعارة والتمثيل، ليبدأ القول في نظم الكلام ومكان النحو منه، عارضًا مزايا النظم بحسب المعاني والأغراض، مشيرًا إلى أنه في النظم يتّحد في الوضع ويدق فيه الصنع.

وجاء الباب الأول في التقديم والتأخير مكونًا من مدخل، تحدّث فيه عن مواضع التقديم والتأخير في: (الاستفهام، النفي، الخبر، مثل وغير، قاعدة عامة)، ثم انتقل إلى الحديث عن تقديم النكرة على الفعل وعكسه.

ولَمّا كان للكلام ترتيبٌ منطقيٌّ معيّنٌ رأى الجرجاني أن تقديم كلمة على أخرى أو تأخيرها يساعد المتلقي على فهم المعنى المراد إيصاله له، وقد تحدّث هنا عن:

أ‌- تقديم اسم على آخر أو تأخيره عنه.

ب‌- تقديم الفعل أو الاسم وتأخيرهما.

ت‌- الحرف وتعلّقه بالاسم أو الفعل.

ثم جاء الباب الثاني في الحذف مكونًا من مدخل، ثم تحدّث عن حذف المبتدأ، فالمفعول به وخلص إلى نتيجة، لينتقل بعدها إلى الباب الثالث الذي عنونه بـ (الفروق في الخبر "تقسيمه"): ضمّ الباب مدخلًا تحدّث بعده عن الفروق في الخبر: (الاسم والفعل في الإثبات، التعريف والتنكير في الإثبات، القصر في التعريف، نكت أخرى للتعريف، التعريف بالذي)، لينتقل بعدها إلى الحديث عن الفروق في الحال.

والحذف هو الخطوة التي تلي التقديم والتأخير، ويتمّ من خلاله تعديل وتنسيق الكلام بطريقةٍ أقرب إلى ذهن المتلقيّ، ففصّل فيه:

أ‌- حذف الاسم وذكره.

ب‌- حذف الفعل.

ت‌- حذف الحرف.

تحدث عن الفروق فهي تختص بالخبر، ويميّز فيه بين خبر المبتدأ في الجملة الاسمية، وبين الخبر الذي يعدّ زيادةً في خبرٍ آخر سابق له، فتناول:

أ‌- الجملة التي يكون الاسم المكوّن الأساس لها.

ب‌- الجملة التي يكون الفعل المكوّن الأساس لها.

ت‌- الجملة التي يكون الحرف المكوّن الأساس لها.

أما الباب الثالث والأخير فهو بعنوان الفصل والوصل وهو المرحلة الأخيرة في عملية إنشاء الكلام، إذ يميّز الجرجاني بين الوصل والفصل بين الجمل، وبين الوصل والفصل بين الكلمات داخل الجملة الواحدة، فتناول بالحديث: (الوصل والفصل الاسمي، الوصل والفصل الفعلي، الوصل والفصل في شبه الجملة).

ثم أورد خاتمة تليها فصولًا ملحقة بالكتاب.

واطلاعك على كتاب دلائل الإعجاز يمكنك من معرفة المنزلة الرفيعة التي ينالها الإمام عبد القاهر الجرجاني، إذ إنّ علم البلاغة بدأ مع الجاحظ، ومن ثمّ مع ابن المعتز واضع الأسس البلاغية، ومن ثمّ توطدت أركان البلاغة مع أبي هلال العسكري الذي خصّ البلاغة وجعلها علمًا مكتمل الأركان وقائمًا بذاته. ومن ثمّ جاء الإمام عبد القاهر الجرجاني الذي كان أفضل من أدرك علم البلاغة ولطائفه، فاستخدمه لإدراك جماليات الشعر والأدب.

كما مزج التنظير بالتطبيق، فكان مثالًا يحتذى لا يدانيه أحدٌ في صنيعه، وعلى الرغم من أن الزمخشري كان تلميذًا للإمام عبد القاهر الجرجاني، إذ تابع عمله ونهجه في كتابه الكشاف، لكنّ كل اللاحقين لهما لم يسيروا على نهج الإمام عبد القاهر الجرجاني، فأصبحت القواعد البلاغية قواعدَ جافة صبّة، خالية من التذوق الجمالي.

وربما نستطيع القول إن الإمام الفخر الرازي أول من قعّد البلاغة، وجعل لها قوانين صلبة تخالف طبيعتها، ومن ثم أتى السكاكي ليقسمها إلى ثلاث أقسام: البيان والمعاني والبديع؛ ليصبح تقسيمه هو الأكثر شيوعًا في الدراسات البلاغية.

جعل الإمام الجرجاني العلوم البلاغيّة مفاتيحًا، يطبقها على الشعر والأدب والقرآن، فهو عدّ تلك العلوم هي مفاتيحَ تذوقيّة تنطلق من الشعور الجمالي في النفس، وتتزامن مع تموجات الخاطر ومن الخيال وأبعاده.

بهذه العزيمة التحليلية، مضى الإمام عبد القاهر الجرجاني يستنتج القاعدة البلاغية من النص، أو يدمج التطبيق بالتنظير بعد طول درايةٍ وتحليلٍ.

فالإمام الجرجاني يبحث عن الجمال في النص الأدبي، لا يهدف من وراء ذلك إلى زيادة التسميات البلاغية، ولا يسعى لتأسيس قاعدة بلاغية، ممّا جعله على رأس الهرم البلاغي حتى يومنا هذا. فالإمام سار على هديٍ من التأمل التذوقي والجمالي.

إذ سعى إمام البلاغة يتحدّث عن ألوان البديع ذاكرًا الأمثلة الكثيرة، مبينًا مواطن الشاهد ومفسرًا وموضحًا له، ثمّ يأتي بأمثلة ليقارنها به، فيظهر جماله أو قبحه، مركزًا على السجيّة وما يناسب الطبع، وكانت المعاني هي المنطلق الأساسي الذي استند عليه الإمام عبد القاهر الجرجاني في قراءة الألفاظ والتراكيب، فالسمة الأساسية التي اتسمّ بها تحليل عبد القاهر الجرجاني هي البحث والكشف عن مكامن الجمال في النص الشعري، إذ يحلل ويركب ويناقش ويستنتج، ويصل إلى مكامن الجمال ومن ثمّ يوصلنا إليها. وفي تحليلات الجرجاني لا نشعر أنّ البلاغة هي عبارة عن قواعد صبّة جامدة، بل إن تقسيماته فرضها العقل والذوق كذلك.

 ***

تعليقات