امرأة أبي لهب فى القرآن الكريم
اسم امرأة أبي لهب هو: أَرْوَى بنت حَرْب بن أُمَيَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، أُخْتُ أبي سفيان بن حرب، وكُنْيَتها أمُّ جَميل، وكانت تُلَقَّب بالعوراء.
ناصبت العداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي وزجها، ولم يُرَاعِيا حقًّا لِلْقَرابة والجوار، حيث كانت على شاكلته، شريكة له في اختيار الكفر وإعلان التكذيب بدين الله ودعوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وشريكة له في صبِّ الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتُؤَجِّج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صور إيذائها له صلى الله عليه وسلم أيضًا أنها كانت تحمل الشَّوك وتضعه في طريقه صلى الله عليه وسلم وعلى باب بيته ليلا، وكان ولداها عُتْبَة وعُتَيْبَة مُتَزَوِّجَيْن بنتي الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة النبوية ثم بعد البعثة أمرت أم جميل ابنيها بطلاقهما لتؤذي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ماتت على الشرك، يقال بأنها ماتت مخنوقة بحبلها
الذي كانت تحمل فيه الحطب.
وقد ورد الحديث عنها في آخر سورة
المسد في قوله تعالى: ﴿وَامْرَأَتُهُ
حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ [المسد: 4 -
5].
بينت آيات هذه السورة أن أبا لهب لن يصلى
هذه النار وحده، وإنما امرأته ستصلاها معه، فهي مَنْ سَتُضرم هذه النار
وتُغَذِّيها له بالوقود، وقد جعل اللهُ لامرأته أيضًا وعيدًا مُقْتَبَسًا لَفْظه
من فِعْلها وهو حَمْلُ الحطب في الدُّنيا، فقد كانت تحمل حطب الشَّوْك وتضعه ليلا في
طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي يَسْلُك منه إلى بيته لِيَعْقِرَ قَدَمَيْهِ،
فأُنْذِرَت بأنها ستحمل الحطب في جهنم ليُوقَد به على زوجها، وفي هذا العقاب خِزْيٌ
لها ولزوجها.
وقوله تعالى: ﱹوَامْرَأَتُهُﱸ كناية عن
موصوف، وهي أم جميل أروى بنت حرب، وعدل عن ذكرها بأم جميل؛ لأن صفتها القباحة وهي ضد كُنْيتها. وسر التعبير عنها بلفظ (امرأة) هنا أنها
وزوجها أبو لهب ممن يُحادُّون الله ورسوله، فكأَنَّ القرآن - هنا - يعتبر الروابط
الزوجية غير قائمة بينهما.
وجاء قوله تعالى: ﱹحَمَّالَةَ ﱸ بصيغة
المبالغة على وزن (فعَّالة) ليُوحِي بكثرة أفعالها السيئة، وحملها الْمُتَكَرِّر
للأَذَى. والإضافة فيه لفظية.
والْحَطبُ: كُلُّ مَا جَفَّ من زَرْعٍ
وَشَجر تُوقَدُ بِهِ النَّار، وحَمْلُ الحطَب في الآية إما أن يكون على حقيقته،
فقد كانت أم جميل تَحْمِلُ الشَّوك وتنثره ليلًا في طريق النبي صلى الله عليه وسلم
لتُؤْذيه، وإما أن يكون حَمْلُ الحطَب هنا استعارة مكنية تبعية، فقد شبهت الآية أم
جميل بأتان يحمل الحطب وأن حبلا من ليف متمكنًا من رقبتها، ثم حذف المشبه به وهو
الأتان، وبقي شيء من لوازمه وهو حمل الحطب والحبل الذي في رقبتها، فهي استعارة
مكنية تبعية؛ لأن اللفظ المستعار (حمَّالة) مشتق، وهو اسم فاعل. ويحتمل أنها كانت
تمشي بين الناس بالنميمة، فيكون الحطب بمعنى النميمة بجامع الإيذاء في كل، ويكون
في الحطب استعارة تصريحية أصلية؛ لأن اللفظ المستعار جامد، وهو الحطب، فهو استعارة
لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها، فـ(حمَّالة) على هذا نكرة، يراد بها الاستقبال،
ويقال لِمَنْ يمشي بالنميمية (يَحْمِلُ الحطب بين الناس)، أي: يُوقِد بينهم
التباعد، ويُورِثُ الشر، وقيل: هي استعارة لِسَعيها على الدِّين والمؤمنين، كما
تقول: فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل
المشركين، وهي استعارة مشهورة.
وشبهت النميمة بالحطَب؛ لأنها توقد
الشر فتُفَرِّق بين الناس، كما أن الحطب يكون وقودًا للنار فتُفَرِّقه.
وقوله: ﴿فِي
جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ صفة ثانية أو
حال ثانية، وذلك إخبار بما ستُعَامل به في الآخرة، أي: جعل لها حبلا في عنقها قد
فُتِلَ فتلا شديدًا تحمل فيه الحطب في جهنم لإسعار النار على زوجها جزاء مماثلا
لعملها في الدنيا الذي أغضب الله تعالى عليها.
والجِيدُ: العُنُق، وجعل الحبل في
عنقها للمبالغة في إهانتها وتحقيرها حيث إن الجيد الذي هو موضع الزينة جعله الله
موضع الإهانة والازدراء والتحقير، وإيثار لفظ الجيد دون العنق؛ لأنه قد غلب في
الاستعمال استعمال الجيد على عُنُق المرأة وعلى محلِّ القلادة منه، فَقَلَّ أَنْ يُذْكَر
العُنق في وَصْفِ النِّساء في الشِّعر العربي إلا إذا كان عُنقًا موصوفًا بالحُسْنِ،
يروى أنها كانت لها قِلَادة فَاخِرَة من جَوْهَرٍ، فقالت: واللَّات والعزى لأُنْفِقَنَّها
في عَدَاوة محمَّد، فأعقبها الله حبلا في جيدها من مَسَدِ النار.
والحبل: ما يُرْبَط به الأشياء التي يُرَاد
اتِّصال بعضُها ببعض، وتُقَيَّدُ به الدابة والْمَسْجُون كي لا يبرح من المكان. والْمَسَد
مصدر على وزن (فَعَل) بمعنى مفعول يُفِيد المبالغة، وهو: المحور من الحديد أو حبل
من ليف أو كلُّ حَبْل مُحْكَم الْفَتل، والجمع مَسَاد وأَمْسَاد.
والتنكير في لفظ (حبل)، و (مسد) يُفيد
التهويل لبيان كبره، ومتانة فتله، وعِظَمه وضخامته، فهو تنكير للتعظيم.
وفي قوله: ﴿فِي
جِيدِهَا حَبْلٌ﴾ أسلوب قصر،
وطريقه التقديم، حيث قدَّم ما حَقُّه التأخير، فقدَّم الخبر ﴿فِي
جِيدِهَا﴾ على المبتدأ ﴿حَبْلٌ﴾؛ ليبرز بجلاء
عن مكان وجود الحبل الْمُلْتف من النار، أو الليف الحار. واستخدام الحرف (في) يدلُّ
على استغراق الحبل كل عُنقها فلم يترك صغيرة ولا كبيرة فيه إلا ولفَّها.
كان هذا هو وعيد الله عز وجل لامرأة
أبي لهب وبيان جزائها في الآخرة عقابًا لها على كفرها وإيذائها للنبي صلى الله
عليه وسلم، فإذا كان هناك أناس بُشِّروا بالجنة في حياتهم فهناك أيضا أناس تحقق
دخولهم النار، وعلى رأسهم أبي لهب وامرأته، فقد جمع الله بينهما في نفس النكال
والعياذ بالله.
***