من أسرار النظم القرآني في قوله تعالى: { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا }
قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان6 ) وقال أيضا: (يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} (المطففين : 28)
يقال: ١- لماذا قال عينا يشرب بها ولم يقل يشرب منها، إلا أن القرآن الكريم عبر بلفط (بها) ولم يقل عينا يشرب مائها عباد الله أو غيرها، فما تفسير هذا؟
في قوله تعالى: { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ} عدّى الفعل بـ (مِنْ) وفي المقرّبين عدّى الفعل بالباء { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} وفي هذا دلالة على أن جزاء المقربين أعلى من جزاء الأبرار، فكما يقال: (حسناتُ الأبرار سيئات المقرّبين)، ويدلنا على ذلك جملة أمور، وهي:
أولاً: بالنسبة للأبرار يُؤتى بكأس يشربون منها أما المقرّبون يشربون بها ، وهي تفيد الإلصاق بمعنى أقام بالعين وشرب بها ، فإذن صار التلذذ بالنظر وبالشراب.
ثانياً: الأبرار يشربون من كأس ممزوجة بالكافور وليست خالصة {يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} وهي تُمزج بقدر أعمالهم في الدنيا أما المقرّبون فيشربون من العين صرفة خالصة ليست ممتزجة.
ثالثاً : عدّى الفعل بالباء تدل على تضمين معنى روي به (يشرب به) بمعنى يرتوي به على خلاف الشرب الذي لا يدل على الارتواء ، فالتعدية بالباء تدل على نزول في المكان والشرب الخالص والارتواء منها.
رابعاً : قال تعالى في عباد الله : {يفجرونها تفجيرا} بمعنى يُجرونها حيث شاءوا ، ويقال في الآية أنه معهم قضبان من ذهب في أيديهم يجرونها حيث شاءوا ، وهذا يدل على أنه ليس فيها عناء ولكنها تتم بسهولة، وهناك فرق بين جزاء الأبرار وجزاء المقرّبين.
ومن المعلوم بالضرورة أن العين الجارية يشربُ منها، لا بها، فهي مورد الشرب، لا أداته، ووسيلته، ومعلوم كذلك أن الشرب يُشَارُ به إلى العملية الآلية المعروفة من رفع الماء نحو فم الشارب وشربه على نحو من الأنحاء ، ولكن هذه العملية لا تعني حصول الأثر المرجوّ منها، وهو الإحساس بالارتواء في النفس، ولما كان الشارب من هذه العين في الجنة يحصل له أثرها المباشر في النفس من غير فاصل زمني، بين شربه وإحساسه بالريّ النفسي، ولَمَّا كان الفعل يشرب هنا قد ضُمِّنَ معنى الفعل يرتوي؛ عدّى القرآن الكريم الفعل "يشربُ" بما يتعدى به الفعل "يرتوي" ، إذ حصل الثاني وتحقق مع الأول على نحو تزامني، وبذلك يكون المعنى المقصود: عينا يشرب منها فيرتوي بها المقربون، وهذا وجه امتياز الشرب من هذه العين عما عداها من سائر العيون، فثمة هنالك شاربون كثيرون، بالمعنى الإجرائيِّ الآليِّ لهذه العملية، ولكنهم لا يرتَوُون، فليس كل شارب مرتويًّا. نسأل الله تبارك وتعالى أن يسقينا بهذه العين لذةً وريًّا أبدا.
قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره:
الباء في قوله: {يشرب بها} إما سببية ، وعُدي فعل{يشرب} إلى ضمير العين بتضمين {يشرب} معنى : يمزج ، لقوله: {ومزاجه من تسنيم} أي يمزجون الرحيق بالتسنيم.
وإمَّا باء الملابسة وفعل {يشرب} معدّى إلى مفعول محذوف وهو الرحيق ، أي يشربون الرحيق ملابسين للعين ، أي محيطين بها وجالسين حولها.
أو الباء بمعنى ( مِن ) التبعيضية ، وقد عده الأصمعي والفارسي وابن قتيبة وابن مالك في معاني الباء ، وينسب إلى الكوفيين ، واستشهدوا له بهذه الآية ، وليس ذلك ببيّن ، فإنّ الاستعمال العربي يكثر فيه تعدية فعل الشرب بالباء دون ( مِن ) ، ولعلهم أرادوا به معنى الملابسة ، أو كانت الباء زائدة كقول أبي ذؤيب يصف السحاب
... شَرْبنَ بماء البحر ثم ترفَّعت
متَى لُجَج خُضر لَهُن نَئيجُ ...
قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان6 ) وقال أيضا: (يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} (المطففين : 28)
يقال: ١- لماذا قال عينا يشرب بها ولم يقل يشرب منها، إلا أن القرآن الكريم عبر بلفط (بها) ولم يقل عينا يشرب مائها عباد الله أو غيرها، فما تفسير هذا؟
الإجابة
في قوله تعالى: { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ} عدّى الفعل بـ (مِنْ) وفي المقرّبين عدّى الفعل بالباء { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} وفي هذا دلالة على أن جزاء المقربين أعلى من جزاء الأبرار، فكما يقال: (حسناتُ الأبرار سيئات المقرّبين)، ويدلنا على ذلك جملة أمور، وهي:
أولاً: بالنسبة للأبرار يُؤتى بكأس يشربون منها أما المقرّبون يشربون بها ، وهي تفيد الإلصاق بمعنى أقام بالعين وشرب بها ، فإذن صار التلذذ بالنظر وبالشراب.
ثانياً: الأبرار يشربون من كأس ممزوجة بالكافور وليست خالصة {يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} وهي تُمزج بقدر أعمالهم في الدنيا أما المقرّبون فيشربون من العين صرفة خالصة ليست ممتزجة.
ثالثاً : عدّى الفعل بالباء تدل على تضمين معنى روي به (يشرب به) بمعنى يرتوي به على خلاف الشرب الذي لا يدل على الارتواء ، فالتعدية بالباء تدل على نزول في المكان والشرب الخالص والارتواء منها.
رابعاً : قال تعالى في عباد الله : {يفجرونها تفجيرا} بمعنى يُجرونها حيث شاءوا ، ويقال في الآية أنه معهم قضبان من ذهب في أيديهم يجرونها حيث شاءوا ، وهذا يدل على أنه ليس فيها عناء ولكنها تتم بسهولة، وهناك فرق بين جزاء الأبرار وجزاء المقرّبين.
ومن المعلوم بالضرورة أن العين الجارية يشربُ منها، لا بها، فهي مورد الشرب، لا أداته، ووسيلته، ومعلوم كذلك أن الشرب يُشَارُ به إلى العملية الآلية المعروفة من رفع الماء نحو فم الشارب وشربه على نحو من الأنحاء ، ولكن هذه العملية لا تعني حصول الأثر المرجوّ منها، وهو الإحساس بالارتواء في النفس، ولما كان الشارب من هذه العين في الجنة يحصل له أثرها المباشر في النفس من غير فاصل زمني، بين شربه وإحساسه بالريّ النفسي، ولَمَّا كان الفعل يشرب هنا قد ضُمِّنَ معنى الفعل يرتوي؛ عدّى القرآن الكريم الفعل "يشربُ" بما يتعدى به الفعل "يرتوي" ، إذ حصل الثاني وتحقق مع الأول على نحو تزامني، وبذلك يكون المعنى المقصود: عينا يشرب منها فيرتوي بها المقربون، وهذا وجه امتياز الشرب من هذه العين عما عداها من سائر العيون، فثمة هنالك شاربون كثيرون، بالمعنى الإجرائيِّ الآليِّ لهذه العملية، ولكنهم لا يرتَوُون، فليس كل شارب مرتويًّا. نسأل الله تبارك وتعالى أن يسقينا بهذه العين لذةً وريًّا أبدا.
قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره:
الباء في قوله: {يشرب بها} إما سببية ، وعُدي فعل{يشرب} إلى ضمير العين بتضمين {يشرب} معنى : يمزج ، لقوله: {ومزاجه من تسنيم} أي يمزجون الرحيق بالتسنيم.
وإمَّا باء الملابسة وفعل {يشرب} معدّى إلى مفعول محذوف وهو الرحيق ، أي يشربون الرحيق ملابسين للعين ، أي محيطين بها وجالسين حولها.
أو الباء بمعنى ( مِن ) التبعيضية ، وقد عده الأصمعي والفارسي وابن قتيبة وابن مالك في معاني الباء ، وينسب إلى الكوفيين ، واستشهدوا له بهذه الآية ، وليس ذلك ببيّن ، فإنّ الاستعمال العربي يكثر فيه تعدية فعل الشرب بالباء دون ( مِن ) ، ولعلهم أرادوا به معنى الملابسة ، أو كانت الباء زائدة كقول أبي ذؤيب يصف السحاب
... شَرْبنَ بماء البحر ثم ترفَّعت
متَى لُجَج خُضر لَهُن نَئيجُ ...